للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْحَدِيثِ غَيْرِ الصَّحِيحِ؛ لأَنَّه قدَّمه عَلَى الْقِيَاسِ الْمَعْمُولِ بِهِ (١) عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ هُوَ إِجماع السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. فَدَلَّ عَلَى أَنه عنده أَعلى رتبة في العمل من القياس.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا: أَنه كَلَامُ مُجْتَهِدٍ يَحْتَمِلُ في (٢) اجْتِهَادُهُ الْخَطَأَ وَالصَّوَابَ، إِذ لَيْسَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ يَقْطَعُ الْعُذْرَ، وإِن سُلِّمَ فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ؛ لإِجماعهم عَلَى طَرْحِ الضَّعِيفِ الإِسناد؛ فَيَجِبُ تأْويله عَلَى أَن يَكُونَ أَراد بِهِ الْحَسَنَ السَّنَدِ وَمَا دَارَ بِهِ (٣) ـ على القول بإِعماله ـ. أَو أَراد أَنه (٤) "خَيْرٌ مِنَ الْقِيَاسِ" لَوْ كَانَ مأْخوذاً بِهِ، فكأَنه يَرُدُّ الْقِيَاسَ بِذَلِكَ الْكَلَامِ مُبَالَغَةً فِي مُعَارَضَةِ مَنِ اعْتَمَدَهُ أَصلاً حَتَّى ردَّ بِهِ الأَحاديث. وَقَدْ كَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَمِيلُ إِلى نَفْيِ الْقِيَاسِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: مَا زِلْنَا نلعن أَهل الرأْي ويلعنوننا (٥)، حتى جاءَ الشافعي فَمَزَجَ (٦) بَيْنَنَا. أَو أَراد بِالْقِيَاسِ الْقِيَاسَ الْفَاسِدَ الَّذِي لَا أَصل لَهُ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجماع، فَفَضَّلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ وإِن لم يعمل به أَيضاً (٧). فإِذا أَمكن أَن يُحمل كَلَامُ أَحمد عَلَى مَا يُسَوَّغُ، لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فِي معارضة كلام الأَئمة رضي الله تعالى عنهم.


=ما أعله المحدثون، بل ما أعلوه بمثل عدم الثقة بأحد رواته. أما من ضعفوه بالتفرد بزيادة في حديث لم يروها من هم أوثق منه فقد يعمل بحديثه؛ لأن زيادة الثقة حجة. وقد قدم أبو حنيفة حديث القهقهة في الصلاة، وحديث الوضوء بنبيذ التمر، وحديث أكثر الحيض؛ على القياس. وقد ذكر الإمام أحمد جماعة من الضعفاء الذين يروي عنهم في "المسند" وذكر أنه يروي عنهم للاعتبار، ولتأييد بعض الروايات ببعض لا للاحتجاج. ومن ذلك قوله في ابن لهيعة: ما كان حديثه بذاك، وما أكتب حديثه إلا للاعتبار به والاستدلال. أنا قد أكتب حديث الرجل كأني أستدل به مع حديث غيره يشتد به، لا أنه حجة إذا انفرد. اهـ.
(١) قوله: "به" ليس في (م).
(٢) قوله: "في" ليس في (خ).
(٣) كذا في جميع النسخ، وفي هامش (م) كتب بخط يشبه خط الناسخ: "وما قاربه"، وكأنه تصويب، والمعنى متقارب، فالمقارب للحديث الحسن هو الحديث الذي فيه ضعف لم يقطع معه بتركه، وهو معنى قول بعضهم في تعريف الحسن: "هو ما فيه ضعف قريب محتمل"، وهذا بمعنى قوله: "وما دار به"؛ أي: دار في فلكه.
(٤) قوله: "أنه" ليس في (خ) و (م).
(٥) في (خ) و (م): "ويلعنونا".
(٦) في (خ) و (م): "فخرج".
(٧) في (خ): "وأيضاً".