للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَحِلُّ لَهُ أَن يَتْرُكَ الْعَمَلَ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ؛ لأَن ذَلِكَ إِبطال لأَحكام الشَّرِيعَةِ بِالرُّؤْيَا، وَذَلِكَ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ أَن يُعْتَقَد، إِذ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ مِنْ نَاحِيَتِهَا إِلا الأَنبياء الَّذِينَ رُؤْيَاهُمْ وَحْيٌ، وَمَنْ سِوَاهُمْ إِنما رُؤْيَاهُمْ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأَربعين جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ (١).

ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: "مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَآنِي حَقًّا (٢) ": أَن كُلَّ مَنْ رأَى فِي مَنَامِهِ أَنه رَآهُ فَقَدْ رَآهُ حَقِيقَةً؛ بِدَلِيلٍ أَن الرَّائِيَ قَدْ يَرَاهُ مَرَّاتٍ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَيَرَاهُ الرَّائِي عَلَى صِفَةٍ، وَغَيْرِهِ عَلَى صفة أُخرى. ولا يجوز أَن تختلف صورة (٣) النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا صِفَاتُهُ، وإِنما مَعْنَى الْحَدِيثِ: "مَنْ رَآنِي عَلَى صُورَتَيِ الَّتِي خُلِقْتُ عَلَيْهَا، فَقَدْ رَآنِي، إِذ لَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي"، إِذ لَمْ يَقُلْ: مَنْ رأَى أَنه رَآنِي، فَقَدْ رَآنِي، وإِنما قَالَ: مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَآنِي. وأَنّى لِهَذَا الرَّائِي الذي رأَى أَنه رآه على صورته أَنه رَآهُ عَلَيْهَا وإِن ظَنَّ أَنه رَآهُ؟ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَن تِلْكَ الصُّورَةَ (٤) صُورَتُهُ (٥) بعينها، هذا (٦) مَا لَا طَرِيقَ لأَحد إِلى مَعْرِفَتِهِ.

فَهَذَا ما نقل ابْنِ (٧) رُشْدٍ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلى أَن الْمَرْئِيَّ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، وإِن اعتقد الرائي أَنه هو.

والتأْويل (٨) الثَّانِي: يَقُولُهُ علماءُ التَّعْبِيرِ: إِن الشَّيْطَانَ قَدْ يأَتي النَّائِمَ فِي صُورَةٍ مَّا مِنْ مَعَارِفِ الرائي وغيرهم، فيشير له إِلى رجل ويقول (٩): هذا فلان النبي، أَو هذا (١٠) الْمِلْكُ الْفُلَانِيُّ، أَو مَنْ (١١) أَشبه هؤلاءِ مِمَّنْ لا يتمثل الشيطان به، فيوقع اللَّبْسَ عَلَى الرَّائِي بِذَلِكَ، وَلَهُ عَلَامَةٌ عِنْدَهُمْ. وإِذا كان كذلك أَمكن أَن يكلمه ذلك (١٢) المشار إِليه بالأَمر والنهي غير


(١) تقدم تخريجه (ص٩٤).
(٢) تقدم تخريجه (ص٩٤).
(٣) في (خ) و (م): "صور".
(٤) قوله: "الصورة" ليس في (غ) و (ر).
(٥) قوله: "صورته" ليس في (م).
(٦) في (خ): "وهذا".
(٧) في (خ): "عن أبي" بدل (ابن).
(٨) قوله: "التأويل" ليس في (غ) و (ر) و (م).
(٩) في (خ): "آخر" بدل "ويقول".
(١٠) في (خ) و (م): "وهذا".
(١١) في (غ): "أو ممن".
(١٢) قوله: "ذلك" ليس في (خ).