للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاقْتَضَى أَنَّ مِثْلَ مَا فَعَلَتْهُ (١) النَّصَارَى مَشْرُوعٌ في ديننا، وليس (٢) كَذَلِكَ، وَمُرَادُهُ: أَنَّ اعْتِزَالَ النَّاسِ عِنْدَ اشْتِهَارِهِمْ بِالْبِدَعِ وَغَلَبَةِ الأَهواءِ عَلَى حدِّ مَا شُرع فِي دِينِنَا مَشْرُوعٌ (٣)، لَا أَنَّ نَفْسَ مَا فعلت النصارى في رهبانيتها يشرع (٤) لَنَا؛ لِمَا ثَبَتَ مِنْ نَسَخِهِ.

فَعَلَى هَذِهِ الأَحْرُف جَرَى كَلَامُ الإِمام أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ نَقَلَ هُوَ عَنْهُمْ، وَاحْتَجَّ بِهِمْ. وَيَدُلُّ عى ذَلِكَ: أَنَّ جَمَاعَةً مِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُمُ التَّرْغِيبُ في العُزْبة (٥) كانوا متزوّجين، ولم يكن ذلك مانعاً لهم (٦) مِنَ البقاءِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى التَّحَرِّي فِي الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ مَا يَلْحَقُهُمْ بِسَبَبِ التزوُّج؛ فَلَا إِشكال إِذاً عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ فِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَلَا غَيْرِهِ (٧) مِمَّنْ سَلَكَ مسْلَكَه؛ لأَنهم بَنَوْا عَلَى أَصلٍ قَطْعي فِي الشَّرْعِ، مُحْكَمٍ لَا يَنْسَخُهُ شَيْءٌ؛ وَلَيْسَ مِنْ مسأَلتنا بِسَبِيلٍ، وَلَكِنْ ثَمَّ تَحْقِيقٌ زَائِدٌ لَا يَسَعُ إِيراده هَاهُنَا، وَأَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كِتَابِ "الْمُوَافَقَاتِ"، مَنْ تَمَرَّنَ فِيهِ حَقَّقَ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى التَّمَامِ، وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَالْحَاصِلُ: أَن مَضْمون هَذَا الْفَصْلِ يَقْتَضِي أَن العمل على الرهبانيَّة المنفيَّة في الآية قصداً (٨) بِدْعَةٌ مِنَ الْبِدَعِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا الإِضافية، لِرَدّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا أصلاً وفرعاً.


=وإسناده لا بأس به.
وقد ترجم ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (٨/ ٢٧٦) لمعن بن ثور، فقال: معن بن ثور: قال: اجتمع هو وحبيب بن مسلمة، فسألا راهباً في صومعته عن سبب احتباسه.
روى عنه عطية بن قيس، سمعت أبي يقول ذلك.
وذكر ابن عساكر عبارة ابن أبي حاتم، ثم قال: كذا قال! والمحفوظ ما تقدم. اهـ؛ أي: باللفظ الذي ساقه الشاطبي، والله أعلم.
(١) في (غ) و (ر): "ما فعلت".
(٢) قوله: "وليس" من (غ) و (ر) فقط.
(٣) قوله: "مشروع" سقط من (خ).
(٤) في (خ): "متيسر" وفي (م): "مشروع".
(٥) في (م) و (خ): "العزلة".
(٦) قوله: "لهم" ليس في (خ) و (م).
(٧) في (ر) و (غ): "وغيره".
(٨) قوله: "قصداً" سقط من (خ) و (م).