للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِي الْحَدِيثِ أَيضاً مَا يُشْعِرُ بأَن التَّكْرَارَ كَذَلِكَ عَمَلٌ مُحْدث فِي مَشْرُوعِ الأَصل بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ.

وَمِنْ ذلك قراءَة القرآن بهيئة الاجتماع، وكذلك الِاجْتِمَاعِ (١) عشيَّة عَرَفَةَ فِي الْمَسْجِدِ للدعاءِ؛ تشبُّهاً بأَهل عَرَفة (٢)، ونقل الأَذان يوم الجمة مِنَ الْمَنَارِ وَجَعْلُهُ قُدَّامَ الإِمام.

فَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ (٣): وَسُئِلَ (٤) عَنِ القُرى الَّتِي لَا يَكُونُ فِيهَا إِمام إِذا صَلَّى بِهِمْ رَجُلٌ مِنْهُمُ الْجُمْعَةَ: أَيخطب بِهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ! لَا تَكُونُ الْجُمْعَةُ إِلا بِخِطْبَةٍ. فَقِيلَ لَهُ: أَفيؤذِّن قُدَّامه؟ قَالَ: لَا، وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِفِعْلِ أَهل الْمَدِينَةِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ (٥): الأَذان بَيْنَ يَدَيِ الإِمام فِي الْجُمْعَةِ مَكْرُوهٌ؛ لأَنه مُحْدَثٌ. قَالَ: وأَول مَنْ أَحدثه هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وإِنما كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا زَالَتِ (٦) الشَّمْسُ وَخَرَجَ؛ رَقَى الْمِنْبَرَ، فإِذا رَآهُ الْمُؤَذِّنُونُ ـ وَكَانُوا ثَلَاثَةً ـ قَامُوا فأَذّنوا في المَشْرُبَة (٧) واحداً بعد واحد كما يؤذِّنون (٨) فِي غَيْرِ الْجُمْعَةِ، فإِذا فَرَغُوا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ (٩).


(١) قوله: "وكذلك الاجتماع" سقط من (ت) و (خ) و (م).
(٢) انظر ما تقدم (ص٢٧٥ و٢٧٨)، وما سيأتي (ص٣٥٥)، وعلق رشيد رضا هنا بقوله: ومثله بالأَوْلى: ما استُحدث بعدُ من الاجتماع لقراءة الختمات والتهاليل والموالد ونحو ذلك في أيام مخصوصة، أو عند حدوث حوادث مخصوصة، وقد صار بعض ذلك من شعائر الدين؛ تُرِكَ كثير من الفرائض والسنن، وحلّت هذه البدع محلّها. اهـ.
(٣) أي: في "العتبية" كما في "البيان والتحصيل" (١/ ٢٤٣).
(٤) أي: الإمام مالك.
(٥) في الموضع السابق من "البيان والتحصيل".
(٦) قوله: "إذا زالت" مكرر في (غ).
(٧) في (خ): "المشرفة" وكانت في (ت): "المشربة"، ثم صوبت في الهامش: "المشرفة"، وربما كان ذلك إشارة إلى أنه في نسخة. والمشرُبَة ـ بضمّ الراء، ويجوز فتحها ـ: هي الغرفة المرتفعة كما في "فتح الباري" (١/ ٤٨٨).
(٨) في (خ): "يؤذن".
(٩) أخرج البخاري (٩١٣) من حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه: أن الذي زاد التأذين=