للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهَؤُلَاءِ اسْتَحَلُّوا بالتأْويل مَا حَرَّمَ اللَّهُ بِنَصِّ (١) الْكِتَابِ، وَشَهِدَ فِيهِمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ؛ بأَنهم شَرَعُوا (٢) فِي دِينِ اللَّهِ، وَهَذِهِ هِيَ الْبِدْعَةُ بِعَيْنِهَا، فَهَذَا وَجْهٌ.

وأَيضاً فإِن بَعْضَ الْفَلَاسِفَةِ الإِسلاميين تأَول فِيهَا غَيْرَ هَذَا (٣)، وأَنه إِنما يَشْرَبُهَا لِلنَّفْعِ لَا لِلَّهْوِ، وَعَاهَدَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ، فكأَنها عِنْدَهُمْ (٤) دواء (٥) مِنَ الأَدوية، أَوْ غِذَاءٌ صَالِحٌ يَصْلُحُ لِحِفْظِ الصِّحَّة، وَيُحْكَى هَذَا الْعَهْدُ عَنِ ابْنِ سِينَا (٦).

ورأَيت في كلام بعض (٧) الناس ممن عرف به أَنه كَانَ يَسْتَعِينُ فِي سَهَرِهِ لِلْعِلْمِ وَالتَّصْنِيفِ وَالنَّظَرِ بِالْخَمْرِ، فإِذا رأَى مِنْ نَفْسِهِ كَسَلًا أَو فَتْرة؛ شَرِبَ مِنْهَا قَدْرَ مَا يُنَشِّطه وَيَنْفِي عَنْهُ الْكَسَلَ. بَلْ ذَكَرُوا فِيهَا (٨) أَن لَهَا حَرَارَةً خَاصَّةً (٩) تَفْعَلُ أَفعالاً (١٠) كَثِيرَةً: تُطَيِّبُ (١١) النفسَ، وتُصَيِّر الإِنسان مُحِبّاً لِلْحِكْمَةِ، وتجعلهُ حسنَ الْحَرَكَةِ، وَالذِّهْنِ، وَالْمَعْرِفَةِ؛ فإِذا اسْتَعْمَلَهَا عَلَى الِاعْتِدَالِ عرف الأَشياء، وفهمها، وتذكرها بعد النسيان (١٢).


=وعبد الله هذا لم يوثقه إلا ابن حبان، وقال الحافظ في "التقريب": مقبول، والله تعالى أعلم.
(١) في (خ): "وبنص" وعلق عليه رشيد رضا بقوله: إما أن يكون أصل العبارة: "بنص الكتاب" بغير واو، وإما أن يكون: "بالإجماع وبنص الكتاب".اهـ.
(٢) المثبت من (خ)، وفي باقي النسخ: "أشرعوا".
(٣) في (ر) و (غ): "هذه".
(٤) في (ر) و (غ): "عنده".
(٥) قوله: "دواء" من (ر) و (غ) فقط.
(٦) نقل الذهبي في "السير" (١٧/ ٥٣٢) عن ابن سينا قوله: وكنت أسهر، فمهما غلبني النوم شربت قدحاً.
(٧) في (ت) و (خ) و (م): "في بعض كلام".
(٨) قوله: "فيها" سقط من (ت).
(٩) في (م): "خالصة".
(١٠) في (خ) و (م): "أفعال".
(١١) في (غ): "وتطب"، وفي (ر) و (م): "وتطيب".
(١٢) علق رشيد رضا رحمه الله على هذا الموضع بقوله: "كان المفتونون بالخمر من الأطباء والشعراء ينسبون إليها هذه الخواص. نعم! إن سُمَّها يحدث تنبيهاً في الأعصاب، ولكن يعقبه فتور وضعف بمقتضى سنّه ردّ الفعل، فإن عاودها الشارب ـ على حدّ قول أبي نوّاس: وداوني بالتي كانت هي الداء ـ؛ زاد ذلك الضعف والفتور، حتى ينتهي=