للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْهِ سَلَفُهَا فَقَدْ زَعَمَ أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَانَ الرِّسَالَةَ (١)؛ لأَن اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (٢)، فَمَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِينًا؛ لَا يَكُونُ الْيَوْمَ دِينًا (٣).

وإِنما التَّثْوِيبُ الَّذِي كَرِهَهُ: أَن الْمُؤَذِّنَ كَانَ إِذا أَذَّنَ فأَبطأَ النَّاسُ؛ قَالَ بَيْنَ الأَذان والإِقامة: "قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ" (٤)، وَهُوَ قَوْلُ إِسحاق بن رَاهَوَيْهِ: أَنه التَّثْوِيبُ المُحْدَث.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ (٥) ـ لَمَّا نقل هذا عن إِسحاق (٦) ـ: "وَهَذَا الَّذِي قَالَ (٧) إِسحاق هُوَ التَّثْوِيبُ الَّذِي قَدْ كَرِهَهُ أَهل الْعِلْمِ، وَالَّذِي أَحدثوه بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

وإِذا اعتُبِر هَذَا اللَّفْظُ فِي نَفْسِهِ فَكُلُّ أَحد يَسْتَسْهِلُّهُ في بادي الرأْي؛ إِذ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى التَّذْكِيرِ بِالصَّلَاةِ.

وقصَّة صبيغٍ الْعِرَاقِيِّ ظَاهِرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى.

فَحَكَى ابْنُ وَهْبٍ؛ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنس؛ قَالَ: جَعَلَ صَبِيغ يَطُوفُ بِكِتَابِ اللَّهِ (٨) مَعَهُ، وَيَقُولُ: مَنْ يَتَفَقَّهْ يُفقِّهه اللَّهُ، مَنْ يَتَعَلَّمْ يُعلِّمْه اللَّهُ؛ فأَخذه عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَضَرَبَهُ بِالْجَرِيدِ الرَّطْب، ثُمَّ سَجَنَهُ حَتَّى إِذا خَفَّ الَّذِي بِهِ؛ أَخرجه فَضَرَبَهُ، فَقَالَ: يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ! إِن كُنْتَ تُرِيدُ قَتْلِي فأَجهز عَلَيَّ، وإِلا فَقَدْ شفيتني شفاك الله، فخلاّه عمر بن الخطاب (٩).


(١) في (خ) و (م) و (ت): "خان الدين"، والمثبت من (ر) و (غ)، وهو الموافق لما في "الإحكام" لابن حزم، ولما تقدم في الجزء الأول (ص٦٥ ـ ٦٦)، ولما سيأتي (ص٣٩٨ و٤٠١).
(٢) سورة المائدة: الآية (٣).
(٣) أخرجه ابن حزم في "إحكام الأحكام" (٦/ ٧٩١)، وتقدم هذا القول في الجزء الأول (ص٦٥ ـ ٦٦)، وسيأتي (٣٩٨ و٤٠١) من هذا الجزء.
(٤) انظر: "البيان والتحصيل" (١/ ٤٣٥).
(٥) في "جامعه" (١/ ٣٨٠).
(٦) في (خ) و (ت) و (م): "سحنون" بدل "إسحاق".
(٧) قوله: "قال" سقط من (م).
(٨) لفظ الجلالة "الله" ليس في (غ) و (ر).
(٩) قوله: "ابن الخطاب" من (غ) و (ر) فقط.