للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الإعطاء يكون آثما، وعلى ولي الأمر أن يمنع من أراد البناء بها، وأن يزيل بناءه لما علمت أنه لا ملك لأحد فيها إلا الانتفاع، وكل من له قدرة على إزالة البناء يجب عليه أن يزيله؛ إذ هو من المنكرات، والله أعلم.

(ما قولكم) في دور مكة المشرفة، هل يجوز بيعها ووقفها وكراؤها أم لا؟ وهل الحسنة فيها بمائة ألف أم لا؟ أفتونا.

(الجواب) في الفروق للقرافي بعد أن حقق عن الإمام أن مكة فتحت عنوة ما حاصله: أراضي العنوة اختلف العلماء فيها؛ هل تصير وقفا بمجرد الاستيلاء، وهو الذي حكاه الطرطوشي في تعليقه عن مالك؟ وللإمام قسمتها كسائر الغنائم وهو مخير في ذلك، والقاعدة المتفق عليها أن مسائل الخلاف إذا اتصل ببعض أقوالها قضاء حاكم تعين القول به وارتفع الخلاف، فإذا قضى حاكم بثبوت ملك في أرض العنوة ثبت الملك وارتفع الخلاف ويتعين ما حكم به الحاكم، وهذا التقرير يطرد في مكة ومصر وغيرهما، والقول بأن الدور وقف إنما يتناول الدور التي صادفها الفتح، أما إذا انهدمت تلك الأبنية، وبنى أهل الإسلام دورا غير دور الكفار فهذه الأبنية لا تكون وقفا إجماعا، وحيث قال مالك: لا تكرى دور مكة يريد، ما كان في زمانه باقيا من دور الكفار التي صادفها الفتح، واليوم قد ذهبت تلك الأبنية، وعليه فتملك وتوهب وتوقف.

وقال القاضي تقي الدين الفاسي: والقول بمنع كراء بيوت مكة فيه نظر؛ لأن غير واحد من علماء الصحابة وخلافهم عملوا بخلافه في أوقات مختلفة، ثم ذكر وقائع من ذلك عن عمر وعثمان وابن الزبير ومعاوية -رضي الله عنهم- وعلى القول بجواز البيع والكراء اقتصر ابن الحاج؛ فإنه قال بعد ذكر الخلاف: وأباحت طائفة من أهل العلم بيع رباع مكة وكراء منازلها، منهم طاووس وابن دينار، وهو قول مالك والشافعي، قال: والدليل على صحة قول مالك ومن يقول بقوله قول الله -عز وجل-:} الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم {، وقوله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، فأثبت لأبي سفيان ملك داره، وأثبت لهم أملاكهم على دورهم، وإن عمر ابتاع دارا بأربعة آلاف درهم، وأن دور أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأيدي أعقابهم، منهم أبو بكر الصديق والزبير بن العوام وعمرو بن العاص وغيرهم، وقد بيع بعضها وتصدق ببعضها، ولم يكونوا يفعلون ذلك إلا

<<  <   >  >>