للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الرابع

*العثمانيون فى عهدهم الثانى

-الإصلاح عن طريق إحياء الإسلام:

كانت الدولة العثمانية ملء السمع والبصر، وكانت القوة الدولية

العظمى التى تؤثر فى مجرى الأحداث العالمية، وضمَّت بين جوانحها

أقوامًا من مختلف الأجناس والأعراق واللغات، وامتد عمرها فى

التاريخ قرونًا طويلة، وأثمرت حضارة مزدهرة، كانت خلاصة المدنية

الإسلامية على مدى القرون التى سبقتها، ثم أتى على الدولة حين

من الدهر وجدت نفسها لا تستطيع التقدم والفتح ومواصلة المد

الإسلامى، بعد أن توغلت فى «أوربا»، فقد توقف السيل العثمانى

أمام أسوار «فيينا» عاصمة «النمسا»، وعندئذٍ نظر العثمانيون إلى

أنفسهم، وأيقنوا أن هناك خطأ يستوجب الإصلاح.

وقد لاحظ علماء الدولة العثمانية ومصلحوها، ابتداءً من عهد السلطان

«مراد الثالث» أن الفساد قد استشرى فى أجهزة الدولة، وكثر التمرد

فى الأقاليم التابعة لها، وما صاحب ذلك من ثورة وفوضى وفتنة، بل

وظهر التمرد والثورة فى عاصمة الخلافة نفسها، مما أحدث الخوف

على سلامة الدولة ووحدتها السياسية، ولذا أصبحت هناك حاجة

ماسة إلى الإصلاح، وضرورة ملحة لعلاج الخلل الذى بدأ يطل برأسه،

ويكاد يعصف بالدولة ويعرض مكانتها وهيبتها للاهتزاز، وأصبحت

هذه الحاجة هى الشغل الشاغل لجهاز الحكم فى عهد الخليفتين

«عثمان الثانى»، و «مراد الرابع».

واستند الفكر الإصلاحى فى بادئ الأمر إلى استلهام الإسلام ومبادئه

ونظمه فى عملية إصلاح الخلل، وأيقن المصلحون العثمانيون أن

تطبيق الشريعة الإسلامية فى مختلف مؤسسات الدولة سوف يعيد لها

قدرتها، ويجدد شبابها ويبعث القوة والحيوية فى عروقها، فتنهض

بعد تعثر، وتقوى بعد ضعف.

وقدم هؤلاء المصلحون النصح والتوجيه إلى السلاطين العثمانيين فى

صورة رسائل وتقارير تحمل أفكارهم، وكان فى مقدمة الناصحين

الضابط العثمانى فى البلاط السلطانى «فوُى بك»، الذى قدم تقريرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>