للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فطن «عمر بن الخطاب» إلى فاعلية المتابعة، وأثرها فى حسن سير

الإدارة، ولذا لم يكتفِ بالتدقيق فى اختيار الولاة، وإنما وضع عليهم

العيون والأرصاد، يحصون عليهم حركاتهم وسكناتهم، ويسجلون

أعمالهم وينقلونها إلى الخليفة فور وقوعها، لأنه أدرك أن الخطأ قد

يقع بدون قصد، وأن الانحراف لا يبدأ كبيرًا، وأن كل شىء يمكن

وقفه فى أوله قبل استفحاله، عملا بالحكمة الخالدة: «الوقاية خير من

العلاج».

رابعًا: سياسة الباب المفتوح:

أدرك «عمر بن الخطاب» أن آفة الإدارة فى كل عصر هى احتجاب

كبار المسئولين عن أصحاب الحاجات فتضيع مصالح الناس أو

تتعطل، ولذا لم يكن يتهاون مع أى أمير أو والٍ يسمع أنه يحتجب

عن الناس مهما يكن شأنه، وحين بلغه أن «سعد بن أبى وقاص» قد

بنى بيتًا فى «الكوفة» من طابقين، وسماه الناس قصر «سعد»، لأن

بقية البيوت كانت من طابق واحد، وأنه اتخذ لمكانه الذى يباشر منه

أعمال الولاية بابًا، أرسل إليه «محمد بن مسلمة الأنصارى»، وكان

مبعوث «عمر» فى المهمات الكبيرة، وأمره أن يحرق ذلك الباب الذى

يحول بين الأمير وبين الناس، وأن يقدم بسعد معه، فلما قدم عليه

وبخه ولم يقبل اعتذاره بأن داره قريبة من السوق وأنه كان يتضايق

من ارتفاع أصوات الناس وجلبتهم، ثم رده إلى عمله بعد أن أكد عليه

ألا يعود إلى مثل هذا أبدًا.

خامسًا: المؤتمرات العامة:

ابتكر «عمر» عقد المؤتمرات العامة لمناقشة أمور الدولة، حتى يتيح

لأكبر عدد من المسلمين المشاركة فى صنع السياسة والقرار بالحوار

والمشاورة، فاهتدى إلى استثمار مناسبة الحج، وتجمع الناس فى

البلد الحرام، وقرر أن يحج كل عام، عدا السنة الأولى من خلافته،

وأن يحج معه كل ولاة الأمصار، وهناك يدور النقاش والحساب مع

الولاة عما صنعوا فى عامهم الذى مضى، وما ينوون عمله فى العام

القادم، وفوق ذلك تكون تقارير عيونه بين يديه قبل مجىء الولاة،

بحيث تكون أمورهم كلها واضحة، ولا يستطيع أحد منهم أن ينكر

<<  <  ج: ص:  >  >>