للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الثاني تغطية الرأس من الرجل والوجه من الأنثى]

قال: [الثاني: تعمد تغطية الرأس من الرجل].

قال عليه الصلاة والسلام: (ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)، قال ذلك فيمن وقصته راحلته فمات وكان محرماً.

وتقدم الحديث الذي رواه ابن عمر وفيه: (لا يلبس القميص إلى أن قال: ولا العمائم)، فالعمامة ينهى عنها المحرم وكذلك كل غطاء للرأس، ولذا قال في الحديث: (ولا تخمروا رأسه) يعني: لا تغطوه.

وفي البيهقي عن ابن عمر من قوله رضي الله عنه أنه قال: [إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها].

وعلى ذلك فليس له أن يغطي رأسه بأي غطاء مما يعد لباساً في العرف كالطاقية والشماغ والغترة والعمامة وغير ذلك.

قال: [ولو بطين]، فلو أخذ طيناً ووضعه هكذا على رأسه نهي عن ذلك؛ لأن هذا غطاء للرأس، لكن إن حمل على رأسه شيئاً مثل بعض الناس ممن يحمل حقيبته ومتاعه على رأسه فهذا لا شيء فيه، أو يحمل فراشه كالذين يسيرون من عرفة على أقدامهم حتى يصلون منى فلا شيء في ذلك، هذا هو المشهور في المذهب؛ لأن هذا لا يعد لباساً؛ ولأن هذا لا يستدام في العادة فلا حرج فيه.

كذلك إذا جلس في خيمة والخيمة مغطاة من الشمس فلا شيء عليه، ولذا جاء في صحيح مسلم: (أن النبي عليه الصلاة والسلام ضربت له قبة في نمرة) فهذا لا شيء فيه.

قال المصنف رحمه الله: [أو استظلال بمحمل].

المحمل هو الذي يكون كالصندوق يوضع على الراحلة ويستظل به راكب الراحلة، والمشهور في المذهب أن هذا يمنع منه المحرم، ولذا قال المصنف رحمه الله: (أو استظلال بمحمل)، والراجح وهو مذهب الشافعي أنه لا حرج فيه، ومثله الآن السيارات التي لها سقف يغطي راكبها فهذه لا حرج فيها، ويدل على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم عن أم الحصين قالت: (رأيت النبي عليه الصلاة والسلام ومعه أسامة بن زيد وبلال بن رباح أحدهما آخذ بخطام ناقته والآخر قد رفعها ثوبه على رأسه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة) يعني: رفع ثوبه على رأسه ليستره من الشمس، وهو كالشمسية التي تسمى اليوم بالشمسية، فلا حرج فيها، ومثل ذلك على الصحيح -كما تقدم- الاستظلال بمحمل ونحوه فإنه لا حرج فيه.

قال: [وتغطية الوجه من الأنثى] أما الرجل فله أن يغطي وجهه وهو محرم، وأما ما جاء في صحيح مسلم في قصة الرجل الذي وقصته راحلته فمات وفيه: (ولا تغطوا وجهه) فهذه الجملة شاذة، ولذا قال الذهبي رحمه الله: وذكر الوجه غريب.

وعلى ذلك فقوله: (ولا تغطوا وجهه) قال ذلك للمحرم وهو رجل، وهذه الجملة شاذة كما قرر هذا الذهبي رحمه الله وقرره أيضاً ابن حجر.

أما المرأة فإنها تنهى عن تغطية وجهها، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين)، فتنهى المرأة عن تغطية وجهها بنقاب أو برقع أو أي غطاء إلا أن يكون هناك أجنبي، أو أن تكون في موضع تخشى من أن ينظر إليها الأجانب كأن تكون في السيارة في النهار والسيارة تمر قريباً منهم فتغطي وجهها، لكن إذا كانت في الليل أو كانت السيارة مستورة فإنها تكشف وجهها وجوباً، وكذلك في خيمتها تكشف وجهها وجوباً، هذا ما عليه المذاهب الأربعة.

وبعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أنها إنما تنهى عن النقاب والبرقع وأما ما سوى ذلك فلا تنهى عنه.

والراجح ما ذهب إليه الجمهور وأنها تنهى عن كل ما يستر وجهها إلا إذا غطته لحاجة كأجنبي، ويدل على ذلك أثر ابن عمر المتقدم فإنه قال: (إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه).

رواه البيهقي عن ابن عمر من قوله بإسناد صحيح ولا يعلم له مخالف.

فكما أن الرأس لا يغطى من الرجل فكذلك وجه المرأة لا يغطى وهي محرمة، إلا أن يكون هناك أجنبي، ولذا قالت عائشة رضي الله عنها كما في البيهقي: المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت من الألوان والزينة ولها كذلك أن تلبس الحلي لا تنهى المرأة عن شيء من ذلك لكنها لا تتبرج بزينة أمام الأجانب لكن لها أن تلبس من الثياب ما شاءت.

المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت، ولا تتبرقع ولا تتلثم، وإن شاءت أسدلت ثوبها على وجهها من الرجال.

وقالت أسماء رضي الله عنها كما في مستدرك الحاكم: (كنا نغطي وجوهنا ونحن محرمات من الرجال)، فدل على أنها تغطي وجهها من الرجال وأما غير ذلك فإنها تكشف وجهها.

ويدل على ذلك أن المرأة لا تنهى عن شيء من اللباس فلو كان النهي عن البرقع وعن النقاب لكونه لباساً لا لكونه غطاء للوجه ما نهيت عنه المرأة؛ لأن المرأة لا تنهى عن شيء من الألبسة، فدل ذلك على أن النهي في البرقع وفي النقاب إنما هو لكونه غطاء لا

<<  <  ج: ص:  >  >>