للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم من أتى شيئاً من المحظورات غير متعمد

قال: [فمن لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه].

ذكر هنا ثلاث محظورات: اللبس وتغطية الرأس والطيب، هذه المحظورات الثلاث تشترك في كونها جميعاً لا إتلاف فيها.

فمن تطيب فهل يكون أتلف شيئاً؟

الجواب

لا.

إذا لبس قميصاً فهل يكون أتلف شيئاً؟

الجواب

لا.

إذا غطى رأسه فهل يكون قد أتلف شيئاً؟ الجواب أيضاً: لا.

إذاً: هذه محظورات لا إتلاف فيها، قالوا: فيعذر فيها بالنسيان والإكراه والجهل، فمن تطيب ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه، ومن لبس ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه، ومن غطى رأسه ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه، هذا هو المشهور في المذهب.

قالوا: وأما التي فيها إتلاف كتقليم الأظافر فهذا لا يعذر فيه بالنسيان ولا بالجهل ولا بالإكراه.

والحاصل: أن ما فيه إتلاف يستوي عمده وخطؤه؛ قالوا: لأن فيه إتلافاً.

والقول الثاني في المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام ورواية عن الإمام أحمد واختار هذا القول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي قالوا: بل لا فرق في هذا بين ما فيه إتلاف وما ليس فيه إتلاف، فالجميع يعذر فيه بالنسيان والجهل والإكراه؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، وهذا هو القول الراجح.

ويدل على ذلك أن قتل الصيد فيه إتلاف، وقد قال الله جل وعلا: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ} [المائدة:٩٥] فرتب الجزاء على قتل الصيد على سبيل التعمد، فدل ذلك على أنه ليس في شيء من محظورات الإحرام فدية لمن كان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً.

ولأن الإتلاف الذي فيه الجزاء وفيه الضمان مطلقاً هو الإتلاف الذي في حق الآدمي، وأما ما كان في حق الله جل وعلا فلا ضمان فيه؛ لأن حق الله مبني على المسامحة وأما حق الآدمي فإنه مبني على المشاحة.

إذاً المشهور في المذهب التفريق بين ما لا إتلاف فيه وهو اللبس والطيب وتغطية الرأس، وما فيه إتلاف وهو الوطء؛ لأن الوطء إن كان من ذكر ففيه إتلاف للبكارة، وإن كان من غير ذكر وهي الثيب فإن ذلك من باب الإلحاق فتلحق الثيب بالبكر، كذلك قتل الصيد فيه إتلاف، وتقليم الأظافر فيه إتلاف، وحلق الشعر فيه إتلاف، قالوا: فهذه المحظورات فيها الفدية مطلقاً، فلو أن رجلاً أخذ من شعره ناسياً أو نتف من إبطه ناسياً فإن عليه فدية، والراجح أنه لا فدية عليه ما دام ناسياً أو مكرهاً أو جاهلاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>