للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القسم الأول من الفدية: ما يجب على التخيير]

قال: [فقسم التخيير] يعني: الذي يخير فيه المكلف بين أشياء [كفدية اللبس] أي في حق من لبس مخيطاً، [والطيب، وتغطية الرأس، وإزالة أكثر من شعرتين أو ظفرين، والمباشرة بغير إنزال مني، فيخير بين ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره].

قال الله جل وعلا: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة:١٩٦] يعني: فحلق رأسه فيجب عليه فدية {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:١٩٦].

وقد جاء في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه وقد أتي به إلى النبي عليه الصلاة والسلام والقمل يتناثر على وجهه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما كنت أظن أن الوجع يبلغ بك ذلك، أتجد شاة؟ قال: لا، قال: فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين)، وفي الموطأ: (أي شيء منها فعلت أجزأ عنك) يعني: فليخير بين هذه الأشياء الثلاثة، وقد جاء تفسيرها في حديث كعب: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} [البقرة:١٩٦] يعني: صيام ثلاثة أيام، ولا يجب أن تكون متتالية.

{أَوْ صَدَقَةٍ} [البقرة:١٩٦] يعني: إطعام ستة مساكين.

{أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:١٩٦] يعني: أو ذبح، أي: أو ذبح شاة، أي أنه بالخيار بين هذه الأشياء الثلاثة أيها فعل أجزأه ذلك.

إذاً: أنت أيها الناسك الذي قد فعلت محظوراً من محظورات الإحرام يجب عليك إما أن تصوم ثلاثة أيام أو تطعم ستة مساكين أو تذبح شاة.

ويكون هذا حيث وجد سببه، فلو أنه في الميقات كذي الحليفة فعل محظوراً فإنه يكفر في هذا الموضع، وإن أخره إلى مكة فلا بأس، والصيام جائز في أي موضع ولو رجع إلى بلده، فيصوم ثلاثة أيام.

وهي محظورات ست تجب فيها الفدية، وهي حلق الشعر، وتقليم الأظافر، ولبس المخيط، وتغطية الرأس، والطيب، والمباشرة بغير إنزال كما قال المؤلف هنا، والصحيح أن المباشرة وإن كانت بإنزال ففيها فدية الأذى وليس فيها بدنة خلافاً للمذهب كما سيأتي.

وهذا -كما تقدم- إن فعله ذاكراً لا ناسياً، عالماً لا جاهلاً، مختاراً لا مكرهاً.

فمن فعل محظوراً من هذه المحظورات الست وهو يعلم الحكم، وهو ذاكر ليس بناس، وهو مختار ليس بمكره فتجب عليه الفدية.

فإن فعل شيئاً من هذه المحظورات ناسياً فلا شيء عليه، أو فعل شيئاً منها جاهلاً ومثله يجهل ذلك فلا شيء عليه، أو فعل شيئاً منها مكرهاً غير مختار فلا شيء عليه.

ولكل مسكين في الصدقة نصف صاع من تمر أو شعير أو ربع صاع من بر أو أرز؛ لأن البر والأرز أكمل.

وعلى ذلك فإذا قلنا: إن الصاع يساوي ثلاثة كيلو جرامات تقريباً فإن الواجب عليه كيلو ونصف من التمر يعطيه كل مسكين، وإن أحب أعطاه ثلاثة أرباع الكيلو من البر أو من الأرز، وهو ربع مد وهو الذي يملأ الكفين من متوسط اليدين.

قال: [ومن التخيير جزاء الصيد]، فجزاء الصيد فيه تخيير، قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:٩٥]، إذاً الجزاء أولاً، وهذا على التخيير بين عدة أشياء.

الذي يذبح صيداً أو يقتله يخير بين ثلاثة أشياء: الشيء الأول: أن يذبح مثله في الحرم ويتصدق بلحمه على مساكين الحرم، ومن الذي يحدد المثلية؟ قال الله جل وعلا: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة:٩٥]، وهذا مذكور في كتب الفقهاء كما سيأتي، فأوجب مثلاً في النعامة بدنة، وعلى ذلك فإذا صاد نعامة فالواجب عليه أن يذبح بدنة في مكة كما قال تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:٩٥] يعني: يكون في الحرم، ويتصدق به على مساكين الحرم.

الشيء الثاني: أن نثمن هذه البدنة ويشتري بثمنها طعاماً يتصدق به على الفقراء لكل مسكين -كما تقدم- ربع صاع من بر أو نصف صاع من غيره، وعلى ذلك فلو قومنا البدنة بخمسة آلاف ريال مثلاً فإنه يشتري بها نحو خمسين كيساً من الأرز يتصدق على كل مسكين بثلاثة أرباع الكيلو، وعليه يصل عدد المساكين نحو ثلاثة آلاف، لأنك عندما تقسم خمسين كيساً على المساكين وتعطي كل مسكين ثلاثة أرباع الكيلو فإن الكيس يسع تقريباً ستين مسكيناً، إذاً (٦٠×٥٠=٣٠٠٠).

الشيء الثالث: أن يصوم بعدد المساكين أياماً، أي: يصوم في المثال المذكور ثلاثة آلاف يوم، قال الله جل وعلا: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} [المائدة:٩٥].

قال المؤلف هنا: [ومن التخيير جزاء الصيد، يخير بين المثل من النعم، أو تقويم المثل بمحل التلف ويشتري بقيمته طعاماً يجزئ في الفطرة فيطعم كل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً]، فإ

<<  <  ج: ص:  >  >>