للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان ما يلزم المكلف حال انقطاع عذره أثناء النهار]

قال رحمه الله تعالى: [وإن أسلم الكافر، أو طهرت الحائض، أو برئ المريض، أو قدم المسافر، أو بلغ الصغير، أو عقل المجنون في أثناء النهار وهم مفطرون لزمهم الإمساك والقضاء].

إذا أسلم الكافر لزمه الإمساك والقضاء، هذا رجل أسلم في أثناء النهار بعد العصر ودخل في الإسلام، فما الواجب عليه؟ الواجب عليه الإمساك بلا خلاف، لقوله جل وعلا: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:١٨٥] وهذا قد شهده، وهل يجب عليه القضاء؟ قال المؤلف: يجب عليه القضاء، واستدل الحنابلة بما جاء في سنن أبي داود أن أسلم لما دخلوا في الإسلام قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: (صوموا بقية يومكم واقضوه) والحديث رواه أبو داود لكن إسناده ضعيف، وقد ضعّفه عبد الحق الأشبيلي وغيره.

والقول الثاني في المسألة -وهو مذهب الأحناف واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يجب عليهم القضاء، فالكافر إذا أسلم لا يجب عليه القضاء، قالوا: لأن الشرائع إنما تجب بعد العلم بها، وهؤلاء لم يسلموا إلا في أثناء النهار، فأسلموا وعلموا أن من شرع الله وجوب الصيام فوجب عليهم الإمساك دون القضاء، قالوا: ويدل على ذلك أن صوم يوم عاشوراء كان في أول الإسلام واجباً قبل فرضية رمضان، وقد جاء أن النبي عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيحين- لما فُرض يوم عاشوراء فقال: (من أصبح صائماً فليتم صومه، ومن أصبح مفطراً فليصم بقية يومه) ولم يأمر عليه الصلاة والسلام بالقضاء، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وهذا القول هو الراجح.

إذاً: إذا أسلم الكافر وجب عليه الإمساك ولم يجب عليه القضاء وإن أكل وشرب في أول النهار.

ومثل هذه المسألة إذا قامت البيّنة في أثناء النهار، حيث جاء النبأ أن هذا اليوم من رمضان، والناس منهم من أكل وشرب وجامع ومنهم من لم يطعم، وقامت البيّنة في أثناء النهار، فالجمهور يقولون: يجب الإمساك والقضاء، وشيخ الإسلام ومن وافقه يقولون: يجب الإمساك فقط ولا يجب القضاء كالمسألة السابقة تماماً؛ لأن الشرائع لا تجب إلا بعد العلم بها وهؤلاء إنما علموا في أثناء النهار، ولحديث يوم عاشوراء المتقدم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو برئ المريض، أو قدم المسافر، أو بلغ الصبي الصغير، أو عقل المجنون].

إذا بلغ الصغير وجب عليه الإمساك، إذا بلغ في أثناء النهار، نام في وسط النهار فاحتلم وكان قد أكل أو شرب فقام بعد هذه القيلولة وقت عند العصر وإذا به قد احتلم، نقول: يجب عليك أن تمسك؛ لأنك أصبحت الآن ممن يجب عليهم الصيام، وهل يجب عليه القضاء أم لا؟ على قولين كما تقدم، والصحيح أنه لا يجب القضاء.

كذلك -أيضاً- إذا أفاق المجنون فعقل في أثناء النهار، وجب عليه الإمساك بقية اليوم ولم يجب عليه القضاء على الصحيح، فهذه أربع مسائل: إذا أسلم الكافر، وإذا قامت البيّنة في أثناء النهار، وإذا بلغ الصبي، وإذا عقل المجنون، هؤلاء الأربعة -على الصحيح- يجب عليهم الإمساك دون القضاء.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو برئ المريض].

هذا رجل مريض في أول النهار لكنه لما شرب الدواء برئ، قالوا: فيجب عليه القضاء بلا خلاف؛ لأن القضاء تعلق في ذمته في أول النهار، وهل يجب عليه الإمساك أم لا؟ على قولين، كذلك إذا قدم المسافر وهو مفطر فيجب عليه القضاء، وهل يجب عليه الإمساك أم لا؟ على قولين، كذلك -أيضاً- إذا طهرت الحائض، كانت حائضاً في أول النهار ثم طهرت بعد العصر، فيجب عليها القضاء بلا خلاف، وهل يجب عليها الإمساك؟ على قولين.

فالمشهور في المذهب وجوب الإمساك على هؤلاء: المريض إذا برئ، والمسافر إذا قدم، والحائض إذا طهرت، فالقضاء لا خلاف في وجوبه، والخلاف في الإمساك، فالحنابلة قالوا: يجب الإمساك، وقال الشافعية -وهو رواية عن أحمد -: بل لا يجب عليهم الإمساك، وذلك لأنه لا ثمرة من إمساكهم، والله يقول: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء:١٤٧] وقد أُذن لهم بالفطر في أول النهار لعذر ووجب عليهم القضاء فلا فائدة من أمرهم بالإمساك، وهذا هو القول الراجح.

فعندنا -أيها الأخوة- طائفتان: طائفة يجب عليها الإمساك فقط، وطائفة يجب عليها القضاء فقط، والمشهور في المذهب أن هؤلاء جميعاً يجب عليهم الإمساك والقضاء، والصحيح أن طائفة يجب عليها القضاء فقط وأن طائفة يجب عليها الإمساك فقط، فإذا قامت البيّنة نهاراً، وإذا أسلم الكافر، وإذا عقل المجنون، وإذا بلغ الصبي؛ فهؤلاء يجب عليهم الإمساك فقط ولا قضاء، وإذا برئ المريض، وإذا طهرت الحائض، وإذا قدم المسافر ويجب عليهم القضاء فقط ولا يجب الإمساك.

<<  <  ج: ص:  >  >>