للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فعل الأسباب وتعلقه بحب الله وعبادته لأنه خالقها ومسخرها]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا فعل ما فعل من الأسباب، أو حصل ما حصل منها، كان مشاهداً أن الله هو الذي خلقها وقدرها وسخرها له، وأن كل من في السماوات والأرض فالله ربه ومليكه وخالقه ومسخره وهو مفتقر إليه، كان قد حصل من تمام عبوديته لله بحسب ما قسم له من ذلك].

الله عز وجل خلق الإنسان وخلق أسباب هذا الكون، وقد تحدثت عن قضية الأسباب في دروس سابقة، فالأسباب مخلوقة لله، وليست مؤثرة بذاتها، والله عز وجل خلق فيها عنصر التأثير، والارتباط بين السبب والمسبب ارتباط حقيقي وصحيح، لكنه لا ينفذ إلا بإرادة الله سبحانه وتعالى؛ لأنها مخلوقة له، وعندما يفعل الإنسان السبب، ويعتمد بقلبه على هذا السبب تنقص عبوديته وتضعف، لكن إذا فعل السبب وهو مشاهد بقلبه أن الله خالقه، وأن الله عز وجل هو الذي وراءه، وأنه لا يتم هذا السبب إلا بإرادة الله عز وجل، فإنه حينئذٍ يحصل في قلبه من العبودية بقدر هذه المشاهدة، وبقدر اعتماده على الله سبحانه وتعالى.

والعمل الصالح كما تعلمون سبب لدخول الجنة، لكن أحياناً قد لا يتحقق لوجود موانع تمنعه، كذلك الأدوية الموجودة الآن في الكون هي أسباب، وكذلك أي أمر من الأمور التي يحصلها الإنسان، فالنار سبب للتدفئة ولطهي اللحم والطعام، فهذه الأسباب لا يمكن أن تحصل بذاتها، وإنما لا بد من إرادة الله عز وجل التي وراءها، فإذا حصل أن العبد شاهد هذه القضية وتعلق قلبه بالله عز وجل وأنه لا يفعل السبب وهو معتمد عليه فإنه يحصل في قلبه من العبودية والإيمان بقدر هذا الشهود وهذا الحضور.

وإذ مرض الإنسان، وذهب إلى الطبيب، كانت حالته النفسية ضعيفة إلى درجة أنه يتعلق بالطبيب، فلو كان عنده من الإيمان والعبودية والتوكل على الله عز وجل ما اعتمد إلا على الله سبحانه، وهكذا الاعتماد على القوة، كأن تكون لديه قوة أياً كانت هذه القوة، سواء كانت قوة ذاتية أو قوة مادية معينة، فإذا اعتمد على القوة خانته في أي لحظة من هذه اللحظات، واقرءوا التاريخ فإن فيه العجائب في هذه الباب، ولعل من أبرزهم: فرعون الذي قال لقومه -عندما انتقد موسى، وأراد أن يبرر لقومه أن كلام موسى غير صحيح- استدل بقوته فقال: {وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:٥١]، وقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:٥٢]، والمهين: هو الإنسان المحتقر المزدرى، أو الذي يكون من قبيلة مضطهدة، {وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:٥٢]؛ لأن موسى كانت فيه لثغة ولم يكن يفصح، فتغطرس فرعون وتكبر فأذله الله سبحانه وتعالى، وحطم ملكه على يد هذه الأمة الضعيفة بني إسرائيل، وعندما دخلوا في البحر دخل وراءهم فأغرقه الله سبحانه وتعالى، وبقي جسده آية بعد ذلك.

إذاً: الاعتماد لا يكون إلا على الله سبحانه وتعالى حتى في الأسباب الحقيقية، وهذا نوع من أنواع العبودية يجب التنبه له.

<<  <  ج: ص:  >  >>