للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكمل الخلق وأفضلهم وأقربهم إلى الله هم أتمهم عبودية لله واستسلاماً له

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والناس في هذا على درجات متفاوتة لا يحصي طرقها إلا الله؛ فأكمل الخلق وأفضلهم وأعلاهم وأقربهم إلى الله وأقواهم وأهداهم: أتمهم عبودية لله من هذا الوجه.

وهذا هو حقيقة دين الإسلام الذي أرسل الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو: أن يستسلم العبد لله لا لغيره، فالمستسلم له ولغيره مشرك، والممتنع عن الاستسلام له مستكبر].

هذه القضية مهمة جداً، لكن كثيراً من الناس لا ينتبه لها، فإن حقيقة الإسلام هي: الاستسلام لله، ومعنى الاستسلام لله: الخضوع والتسليم لله عز وجل، فخبر الله يكون الإسلام به تصديقه، وأمر الله يكون الإسلام به الرضا به وتطبيقه، ونهي الله يكون الإسلام به القبول له، والانقياد له بالكف عن العمل.

فإذا وجد معترض على خبر الله، أو على أمره، أو نهيه، فهو زنديق كافر غير مسلم؛ لأن الاعتراض على الله عز وجل أو على شريعته، أو على خبره يعتبر من فعل الشيطان، عندما أمره الله سبحانه وتعالى بالسجود لآدم فاعترض، ورفض أن يسجد وقال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢]، فأمره الله عز وجل بالخروج منها، وبين أنه كافر، وأن من أطاعه فهو مثله.

وهناك فرق بين الاعتراض وعدم الفعل، يعني: الواجب تجاه أمر الله عز وجل شيئان: الشيء الأول: الرضا به وقبوله، واحترامه وتصديقه، والانقياد له.

فأما الرضا به وقبوله، فهو داخل في أصل الدين، فمن اعترض على أمر الله ورفضه وأباه، وهو يعرف أنه أمر الله عز وجل فهذا لا شك في كونه كافراً خارجاً عن دائرة الإسلام.

والشيء الثاني: هو الفعل، فإنه لا يكفر الإنسان به إلا إذا كان هذا الفعل مكفراً.

فأوامر الله عز وجل كثيرة، منها: أمر بالصلاة، وأمر بطاعة الوالدين، وأمر بصلاة الجماعة وأمر بالزكاة، وأمر بصلة الأرحام، والواجب تجاه هذه الأوامر هو: أولاً: الرضا بها من الله عز وجل، وقبولها، والاستسلام لها، لأنها حقيقة من الله.

الأمر الثاني: هو فعلها.

أما الأول فهو من أصل الدين، فمن لم يرضَ بها كمثل من لم يرض بالصلاة فهذا كافر غير مسلم.

ومن أقر بأن الله أمر ببر الوالدين، لكنه عملياً عاق لوالديه ولا يبرهما، فهو فاسق ليس بكافر، ويكون قد ارتكب كبيرة من الكبائر، لكن إذا لم يرضَ به واعترض على أمر الله بطاعة الوالدين، وقال: إنهما مثل أي شخص آخر، وما استفاده منهما فليس بالضرورة طاعتهما، فهذا الاعتراض يعتبر كفراً يخرج عن دائرة الإسلام والعياذ بالله.

فينبغي إدراك هذه القضية؛ لأن كثيراً من الناس اليوم يعترض على أحكام الله في باب الولاء والبراء، ومن يعترض على أحكام الله عز وجل في تكفير اليهود والنصارى، ومن يعترض على أحكام الله عز وجل في الرجم، وفي جلد الزاني غير المحصن، وفي إقامة حد الردة، ويقولون: هذه الصور بشعة، ويعترضون على تشريع تعدد الزوجات، ويقولون: هذا ظلم للمرأة، ويعترضون على حجاب المرأة، ويقولون: هذا اعتداء على حريتها الشخصية، فكل هذا الكلام يعتبر ردة مخرجة عن دائرة الإسلام.

وهناك فرق بين من يقول هذا الكلام فيكون مرتداً، وبين من يعترف بالحكم الشرعي ويقر به، لكنه لا ينفذه، فإذا كان لم يؤد الصلاة فتركها، فلا شك أنه كفر بنص النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، ومن لم ينفذ بر الوالدين يكون عاصياً، وهكذا يختلف الحال من عمل إلى عمل آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>