للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أساس شرك اليهود والنصارى الكبر والجهل]

أساس شرك النصارى: هو الضلال والجهل، فإن الجهل بالأحكام الشرعية يوصل إلى الضلال، ولهذا وصفهم الله عز وجل بأنهم من الضالين، وأصل شرك اليهود: الكبر والإعراض عن علم، فإعراض اليهود وترك التزامهم بدينهم سببه الكبر عن الخضوع للدين، ولهذا يقول الله عز وجل: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:٦ - ٧]، وهذا الصراط يتصف بصفتين: اجتماع العلم والعمل، أو اجتماع العلم والإخلاص لله عز وجل ثم قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧]، و (المغضوب عليهم): هم اليهود، وذلك أنهم انحرفوا عن الصراط المستقيم، بسبب إعراضهم عن الإخلاص لله مع وجود العلم لديهم.

(ولا الضالين): وهم النصارى، الذين انحرفوا عن الصراط المستقيم بسبب الجهل، ففيهم حب للتعبد، وفيهم إرادة له لكنها ليست مبنية على علم، وإنما مبنية على جهل، ولهذا قال بعض السلف: من انحرف من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن انحرف من عبادنا ففيه شبه من النصارى.

ولهذا فكثيراً ما يقارن شيخ الإسلام رحمه الله بين ضلال الصوفية وضلال المتكلمين، فإن ضلال الصوفية سببه: إرادة التعبد، لكن على جهل، فضلوا وانحرفوا ففيهم شبه من هذه الزاوية بالنصارى، والمتكلمون كانوا أهل علم وجدل ومناقشة، فأصبح انحرافهم مثل انحراف اليهود الذين انحرفوا عن علم وكبر، بسبب الكبر الموجود في نفوسهم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال في اليهود: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة:٨٧]، وقال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} [الأعراف:١٤٦].

ولما كان الكبر مستلزماً للشرك، والشرك ضد الإسلام وهو الذنب الذي لا يغفره الله، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء:٤٨] وقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء:١١٦]، كان الأنبياء جميعهم مبعوثين بدين الإسلام، فهو الدين الذي لا يقبل الله غيره، لا من الأولين ولا من الآخرين، قال نوح: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:٧٢]، وقال تعالى في حق إبراهيم {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:١٣٠ - ١٣٢]، وقال يوسف عليه السلام: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:١٠١]، وقال موسى عليه السلام: {يَا قَوُم إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} [يونس:٨٤ - ٨٥]، وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة:٤٤]، وقال عن بلقيس: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل:٤٤]، وقال: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة:١١١]، وقال: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩]، وقال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:٨٥]، وقال تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران:٨٣].

فذكر إسلام الكائنات طوعاً وكرهاً؛ لأن المخلوقات

<<  <  ج: ص:  >  >>