للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخلة والمحبة واستلزامها لكمال العبودية لله تعالى]

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والخلة: هي كمال المحبة المستلزمة من العبد كمال العبودية لله، ومن الرب سبحانه كمال الربوبية لعباده الذين يحبهم ويحبونه].

هذا المقطع متعلق بوصف الله لإبراهيم بهذه المنزلة العظيمة وهي: الخلة، قال تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء:١٢٥].

وأيضاً في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً).

والخلة معناها: المحبة، وهي درجة عالية من درجات المحبة، وهذا دليل على أن الله عز وجل يحب ويحب، فهو يحب عباده الصالحين، والصابرين، والمتقين، والمتطهرين، والتوابين، والذاكرين، وهو سبحانه وتعالى أيضاً يحب، فهو سبحانه وتعالى لكمال ذاته وصفاته وإنعامه على الخلق محبوب، وعلى قدر درجة محبة العبد تكون راحته وسعادته وعبوديته لله سبحانه وتعالى، فإن أساس العبودية: المحبة، كما سيأتي معنا بإذن الله تعالى.

فالله عز وجل يحب ويحب، وقد نفى عنه هذا الوصف المنحرفون في صفات الله تعالى وهم الجهمية، فإنهم نفوا أن يكون الله عز وجل يحب، كما نفوا أنه سبحانه وتعالى يحب، وقالوا: إن الله عز وجل لا يحب؛ لأن المحبة من الأعراض، والأعراض تستلزم الحدود، والحدود منتفية عن الله عز وجل، وهذه شبهة عقلية فاسدة جاءوا بها من أجل أن يلغوا دلالات النصوص الشرعية في هذا الباب.

وأيضاً قالوا: إن الله لا يحب، فلا تتعلق به محبة العبد، واعتبروا أن محبة العبد لا تتعلق إلا بالمحدثات، وهذا لا شك أنه باطل، ولهذا كان علماء السلف يسمون هؤلاء الجهمية: غلاظ الأكباد، يعني: ليس عندهم رقة، وليس عندهم تعلق بالله عز وجل، وإلا فإن تعلق المحبة بالله سبحانه وتعالى أمر يشعر به الإنسان في ذاته، ونفي هذه المحبة المتعلقة بالعبد لا شك أنها نفي لأمر طبيعي يشعر به الإنسان، ومن هنا يكون استنكار الإنسان لها أشد وأكبر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولفظ العبودية يتضمن كمال الذل وكمال الحب، فإنهم يقولون: قلب متيم إذا كان معبداً للمحبوب، والمتيم: المتعبد، وتيم الله: عبد الله، وهذا على الكمال حصل لإبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم، ولهذا لم يكن له صلى الله عليه وسلم من أهل الأرض خليل، إذ الخلة لا تحتمل الشركة، فإنه كما قيل: قد تخللت مسلك الروح مني وبذا سمي الخليل خليلاً].

يعني: الخلة هي رأس المحبة، وهي القمة في المحبة؛ ولهذا لا تقبل القسمة والاشتراك، بينما عموم المحبة يمكن أن تنقسم فيكون هناك أكثر من محبوب للشخص، أما محبة التأله التي فيها ذل وخضوع وانكسار فلا تكون إلا لله وحده لا شريك له.

<<  <  ج: ص:  >  >>