للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شروط المحبة الصادقة لله تعالى]

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، إنك أنت العليم الحكيم.

أما بعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فاتباع هذه الشريعة، والقيام بالجهاد بها من أعظم الفروق بين أهل محبة الله وأوليائه الذين يحبهم ويحبونه، وبين من يدعي محبة الله ناظراً إلى عموم ربوبيته، أو متبعاً لبعض البدع المخالفة لشريعته، فإن دعوى هذه المحبة لله من جنس دعوى اليهود والنصارى المحبة لله تعالى، بل قد تكون دعوى هؤلاء شراً من دعوى اليهود والنصارى؛ لما فيه من النفاق الذي هم به في الدرك الأسفل من النار، كما قد تكون دعوى اليهود والنصارى شراً من دعواهم إذا لم يصلوا إلى مثل كفرهم].

لأن اليهود والنصارى قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه مع أنهم في الحقيقة لم يمتثلوا هذه المحبة وينقادوا للمحبوب قولاً وعملاً، وكذلك الذين ادعوا أنهم يحبون الله عز وجل وهم يبتدعون البدع المضلة، والتي يتصورون أنها تقربهم إلى الله سبحانه وتعالى، فهؤلاء بهم شبه من اليهود في دعواهم أنهم أحباب الله عز وجل، مع أنهم في الحقيقة هم من غضب الله عز وجل عليهم، ولعنهم، وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، كما أخبر الله سبحانه وتعالى.

فدعوى المحبة مجرد ادعاء لا يكفي، بل لا بد أن يكون معه اتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وانقياد في القول والعمل لما أمر به المحبوب فعلاً، ولما نهى عنه المحبوب تركاً، أما من تنكب الصراط، وأصبح يأتي ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه، ويترك ما أمر الله سبحانه وتعالى به، فدعواه المحبة دعوى زائفة لا حقيقة لها.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي التوراة والإنجيل من الترغيب من ذكر محبة الله ما هم متفقون عليه، حتى إن ذلك عندهم أعظم وصايا الناموس، ففي الإنجيل أعظم وصايا المسيح: أن تحب الله بكل قلبك، وعقلك، ونفسك، والنصارى يدعون قيامهم بهذه المحبة، وأن ما هم فيه من الزهد والعبادة هو من ذلك، وهم براء من محبة الله إذا لم يتبعوا ما أحبه، بل اتبعوا ما أسخط الله، وكرهوا رضوانه، فأحبط أعمالهم، والله يبغض الكافرين ويمقتهم ويلعنهم، وهو سبحانه يحب من يحبه، لا يمكن أن يكون العبد محباً لله والله تعالى غير محب له، بل بقدر محبة العبد لربه يكون حب الله له، وإن كان جزاء الله لعبده أعظم، كما في الحديث الصحيح القدسي عن الله تعالى أنه قال: (من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هروله)].

ليس المقصود بالمحبة هنا المحبة القلبية العاطفية المجردة، وإن كانت محبة الله عز وجل محبة قلبية عاطفية مقصودة في محبة الله سبحانه وتعالى، يعني: أن يكون قلبه مشتاقاًً إلى الله عز وجل، ويتمنى لقاءه، ويفرح بذكره، كل ذلك مطلوب شرعاً، لكن لا بد أن ينضاف إليه اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد يكون العبد أحياناً محباً محبة قلبية مجردة، لكنه في سلوكه وعمله بعيد عن المواصفات الحقيقة للمحب من حيث اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا ابتلى الله سبحانه وتعالى الذي يدعون محبته باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:٣١].

<<  <  ج: ص:  >  >>