للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرق بين أتباع الأنبياء وأتباع فرعون في نظرتهم للعبودية]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يقول محققوهم: الشريعة فيها طاعة ومعصية، والحقيقة فيها معصية بلا طاعة، والتحقيق ليس فيه طاعة ولا معصية].

يعني: هؤلاء يقسمون الناس إلى قسمين: أهل الشريعة، وأهل الحقيقة، فيقولون: أهل الشريعة هم هؤلاء الذين يشهدون الصلاة جماعة، ويقومون بأعمال الإسلام، يعني: الذين انضبطوا في حدود الشريعة.

وأما أهل الحقيقة: فهم الذين ليس في قاموسهم شيء عن الطاعة والمعصية، بل الكل هو مراد لله سبحانه وتعالى، والكل محبوب له سبحانه وتعالى.

قال: [وهذا التحقيق هو مذهب فرعون وقومه الذين أنكروا الخالق، وأنكروا تكليمه لعبده موسى، وما أرسله به من الأمر والنهي].

ولهذا ادعى فرعون الإلوهية والربوبية فقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤]، وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٨]؛ لأنه مخلوق، فمعنى كلام هؤلاء الظلمة: أن فرعون كان محقاً فيما قاله، ولا شك أن هذا من الكفر المبين.

قال: [وأما إبراهيم وآل إبراهيم الحنفاء من الأنبياء والمؤمنين بهم، فهم يعلمون أنه لا بد من الفرق بين الخالق والمخلوق، ولا بد من الفرق بين الطاعة والمعصية، وأن العبد كلما ازداد تحقيقاً لهذا الفرق ازدادت محبته لله، وعبوديته له، وطاعته له، وإعراضه عن عبادة غيره، ومحبة غيره، وطاعة غيره، وهؤلاء المشركون الضالون يسوون بين الله وبين خلقه، والخليل يقول: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:٧٥ - ٧٧]، ويتمسكون بالمتشابه من كلام المشايخ كما فعلت النصارى].

يعني: قد يأخذون بعض كلام الزهاد، وبعض كلام من يسمونهم بالعارفين، ويستخرجون منه أموراً تخالف كلام المرسلين، بل تخالف فطر الناس أجمعين؛ ولهذا فعلوا كما فعلت النصارى عندما استخرجوا من كلام الحواريين ما يظنون أنه يدعم مذهبهم في أن الأب والابن وروح القدس إله واحد وهو مذهب التثليث، فلا شك أن هؤلاء خطيرون، ولهذا فهم من الزنادقة، وليس كل الصوفية يقولون ذلك، بل يوجد من الصوفية من يكون عنده بدع ومعاص لا تصل إلى هذه الدرجة، ويوجد منهم من يكون عنده شيء من الشرك الأصغر، ويوجد منهم من يكون عنده من الشرك الأكبر مع إقراره بالنبوة وبالإلهية لله عز وجل في الجملة، ويوجد منهم من هو أشد من ذلك، وأما أعلاهم في الزندقة فهم هؤلاء، وهم أتباع الحلول والاتحاد، وأصحاب وحدة الوجود.

<<  <  ج: ص:  >  >>