للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)]

السؤال

يقول بعض الناس: إن الشريعة يكون تطبيقها في العبادة، أما أمور الدنيا فهي متروكة للناس، ويستدلون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)؟

الجواب

هذا لم يفهم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، فقوله: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) يعني: الأمور الاعتيادية، سواء في الزراعة، أو في الصناعة، أو في تركيب الأمور الاجتماعية، ولهذا لم ينكر أحد من المسلمين المباني الجديدة، ولم ينكر أحد من المسلمين استخدام الصناعات الحديثة، والمركوبات من السيارات والطيارات، أو الأدوات الجديدة في القتال مثلاً.

وإنما يجب على المسلم أن يستفيد من كل ما هو جديد، ومفيد للأمة الإسلامية، بل هو من عمارة الأرض، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، يعني: أن الإنسان في زراعته وصناعته وأموره الشخصية هو أعلم بها، وليس المقصود به أنكم تبنون حياتكم بأكملها على غير الدين، وتحصرون الدين في أعمال صغيرة.

فالشريعة جاءت بتنظيم حياة الإنسان في كل مجال، فجاءت بتنظيم حياة الإنسان في مجال الأسرة، كالطلاق والنكاح، والإرث، وجاءت بتنظيم حياة الإنسان في المال، فهناك بيوع مباحة، وبيوع محرمة، وجاءت أيضاً في تنظيم شئون الإنسان فيما يتعلق بالخصومات، والمضاربات، والمقاتلة، والاختلاف في العقار، والاختلاف في الحقوق المالية وغير ذلك، فالشريعة جاءت بما يصلح الإنسان في هذا المجال، وهناك فيما يتعلق بدنيا الناس مقاصد عامة للشريعة جاءت بضبطها، مثل حفظ المال، وحفظ النفس، وحفظ النسل، وحفظ الدين.

ولهذا فإن أي شيء جديد يأتينا يجب أن نزنه بميزان الشرع، فالفكرة العلمانية التي نتكلم عليها وننتقدها ليست هي في قبول الأمور الدنيوية التي تكون عند الأمم الأخرى مثل: الأسلحة، أو المركوبات، أو غير ذلك من المصنوعات، فهذه لا يخالف فيها أحد من المسلمين، فضلاً عن علمائهم، لكن العلمانيون لا يريدون هذا، بل يريدون أن يحصروا الإسلام كله في شرائع تعبديه، وأما بقية الحياة فيريدون أن يخترعوا لها قانوناً مدنياً عقلياً.

فمجال الخصومات مثلاً يريدون أن يشرعوا له ضوابط من تلقاء أنفسهم مع أن دين الله عز وجل وضح الأحكام المتعلقة بخصومات الناس، وهكذا الديات، وهكذا كل شئون الحياة الأخرى، ولهذا فالقضاة اليوم يحكمون بشريعة الله عز وجل في شئون الناس فيما يتعلق بالعقار مثلاً واختلاف الناس فيه، أو المديونيات، أو ما يتعلق بالأموال في البيع والشراء ونحو ذلك، والعلاقة مع الأمم الأخرى والتي تسمى اليوم: العلاقات الدولية.

ولهذا قسم الإسلام الأمم الأخرى إلى أقسام: أمة محاربة، وأمة بيننا وبينها عهد، وأهل الذمة: وهم الذين يدخلون على الذين يكونون في بلاد المسلمين من الكفار من أهل البلاد الأصلية، فكل هؤلاء لهم أحكام.

أما العلمانيون فإنهم يقولون: يجب أن نجعل الشريعة في مجال الشعائر التعبدية فقط، ونأخذ على فكرهم مثالاً: فالمرأة اليوم تركيز العلمانيون عليها تركيز كبير جداً، فالعلمانيون يقولون: لماذا تمنعون المرأة من المشاركة في أي عمل من الأعمال الفنية؟ فلماذا تمنعون المرأة من الرقص؟ ولماذا تمنعون المرأة من التبرج والسفور؟ ولماذا تمنعون المرأة من حريتها فيما يتعلق بالتصرف بجسدها كما تشاء؟ فيمكن أن تبيع عرضها بمبلغ مالي، ويصيحون: أعطوا النساء حقوقهن، والعلمانيون يختلفون من بلد إلى بلد، فبعض البلاد لا يستطيعون أن يصرحوا بهذا الكلام، وهكذا حال المنافقين، إذ المنافقون لا يستطيعون أن يصرحوا بكل ما يعتقدونه في وقت واحد، لكن هذا مقتضى دعواهم، وهذا معنى دعواهم، ولهذا ليس الخلاف بيننا وبين هؤلاء في مسألة هل نأخذ من الكفار أسلحة أم لا؟ أو هل نستفيد من الكفار في بعض القضايا الطبية أم لا؟ بل نحن نتفق بأننا نستفيد من كل صاحب صنعة في الدنيا، يهودياً كان أو نصرانياً؛ لأن هذه الأمور ليس فيها أي مشكلة وضرر على ديننا، وهذه هي حياة المسلمين منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.

فلا مانع من ابتعاث أي شخص إلى هناك للتعلم، أو يستفيد من أي شخص، بل أهم شيء هو ألا يكون ابتعاثه سبباً في رجوعه إلى بلاد المسلمين ليطالب بتطبيق النموذج الغربي في بلاد المسلمين.

وهذا مثال آخر: النظام الاقتصادي، فالآن النظم الاقتصادية المشهورة في العالم تنقسم إلى نظامين مشهورين: النظام الأول: نظام الرأسمالي، والنظام الثاني: النظام الاشتراكي.

أما النظام الرأسمالي، فيعتمد على ما يسمونه باقتصاد السوق، واقتصاد السوق هو تعبير عن النظام الرأسمالي، ومعنى اقتصاد السوق: أن ترفع الدولة يدها عن الأسواق، فتترك الناس يبيعون ويشترون كما يشتهون دون أي تدخل أو تنظيم لهذه الأسواق، فهذا هو مختصر الرأسمالية؛ ولهذا ألف بعض فلاسفتهم الكبار كتباً في استحسان الربا، مع أن الربا محرم حتى عند النصارى، والسبب في ذلك هو أنه يرى أن من حق المستثمر الذي عنده مال ألا يدفع قرضاً إلا بمقابل عليه،

<<  <  ج: ص:  >  >>