للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تميز أمة الإسلام بحفظ دينها]

أقول: أمام هذه الأفكار لابد من ضبط المنهج وضبط العلم ودراسة العلم دراسة سليمة وصحيحة، وهذا هو منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، فإن منهج السلف الصالح هو الذي انضبطت به الأحكام الفقهية في الحلال والحرام وفي كل باب من الأبواب، وهذا هو الذي ميزنا -ولله الحمد- عن اليهود والنصارى، وذلك أنه لما جاء عيسى وموسى عليهما السلام إلى أقوامهما أنزل الله عز وجل التوراة على موسى ثم أنزل الإنجيل على عيسى، وبمجرد أن مات موسى ومات عيسى عليهما السلام وطالت أيدي المحرفين التوراة والإنجيل لم توجد أمة من بني إسرائيل تستطيع أن تحفظ التوراة بدون تحريف وأن تحفظ الإنجيل بدون تحريف، فأصبح اليهود اليوم وقبل اليوم يعيشون على توراة محرفة، والنصارى في هذا اليوم وفي غير هذا اليوم يعيشون على إنجيل محرف، ولم يبق أحد من النصارى اليوم على دين غير محرف أبداً، ولو بقي لما نفعه مادام أنه لا يقر بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، لقوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥].

أما هذه الأمة فهي أمة متميزة، ذلك لأن الله عز وجل جعلها آخر الأمم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا)، فنحن آخر الأمم، وكان من حكمة الله عز وجل عندما جعلنا آخر الأمم أن حفظ لنا القرآن وحفظ لنا السنة، كما قال الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩]، والذكر يشمل القرآن ويشمل السنة أيضاً، فحفظ القرآن فلم تطله يد التحريف، وحفظت السنة على أيدي أهل السنة، فنشأ العلم المشهور، وهو علم الحديث العلم الدقيق الذي يمحص الرجال، حتى إنه يضبط أغلاطهم وأخطاءهم، فإذا جاء حديث من الأحاديث ربما رده الإمام أحمد وقال: هذا الحديث ليس من حديث الشعبي، وإنما هو من حديث فلان وهو ضعيف.

بناء على دراسة توثيقية دقيقة، وهذا هو المعلوم من النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين -وفي لفظ منصورة- لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)، فلا يزول الخير أبداً في أي عصر من العصور مهما انتشر الفساد العقدي والخلقي في هذه الأمة بالكلية، بمعنى: أنه لابد من أن يوجد فيها من ينطق بالحق، وهذا هو مصداق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)، وأمر الله الذي يأتي فيأخذ هذه الطائفة هو الريح التي تأتي في آخر الزمان وتأخذ أرواح المؤمنين، فلا يبقى إلا شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة وتنتهي الدنيا.

فإذا انتهت هذه الطائفة انتهت هذه الدنيا.

وعندنا تقرأ في تاريخ الأمة وتنظر في الأحوال التي مرت عليها في عصورها السابقة تجد أنه مر عليها فترة من فترات الجهل، ومر عليها فترة من فترات ضياع العلم، ومر عليها فترة من فترات الإرهاب والضعف، ومع هذا تبقى طائفة قائمة بالحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>