للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعريف العبادة وبيان مفهومها]

وسنبدأ بالحديث عن تعريف العبادة ومفهوم العبادة.

أما العبادة في اللغة فإنك إذا تتبعت كتب المعاجم ستجد أن العبادة تأتي لخمسة معان: الأول والثاني: الخضوع والذل، ولهذا تقول العرب: هو طريق معبد أي: ذللته الأقدام بالسير.

والثالث: الطاعة، والرابع: التمليك، تقول العرب: أعبدني هذا أي: ملكنيه.

والخامس: التنسك، فهذه خمسة معان تأتي العبادة بها في اللغة.

وأما تعريفها في الشرع فقد عرفها الشيخ بقوله: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، وعرفها غيره بتعريف آخر، فيقول أبو البقاء الكفوي في كتابه (الكليات) في تعريف العبادة: هي فعل ما يرضي الرب.

وعرفها غيره فقال: العبادة هي عبارة عن الاعتقاد والشعور بأن للمعبود سلطة غيبية في العلم والتصرف فوق الأسباب يقدر بها على النفع والضر، فكل دعاء وثناء وتعظيم ينشأ من هذا الاعتقاد فهو عبادة.

فإذا جئنا إلى تعريف الشيخ في قوله: (هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه) نجد أن معنى العبادة: هو كل ما أمر الله عز وجل به في القرآن، أو أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة، وذلك أن الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين: طلب وتخيير.

فأما الطلب: فهو طلب الفعل أو طلب الكف، وطلب الفعل يكون على نوعين: إما طلب الفعل على سبيل الإلزام، وهذا هو الواجب.

وإما طلب الفعل على غير سبيل الإلزام فهذا المندوب.

وأما طلب الكف فهو نوعان: الأول: طلب الكف على سبيل الإلزام، وهذا هو المحرم، والثاني: طلب الكلف على غير سبيل الإلزام، وهذا هو المكروه.

وأما التخيير الذي هو مقابل الطلب في التقسيم الأول فهو المباح الذي إن شاء الإنسان فعله وإن شاء تركه، فالعبادة الشرعية هي الطلب بمعناه الأول، طلب الفعل أو طلب الكف، فهذا الطلب هو العبادة، ولهذا نلاحظ أن العبادات التي أمرنا الله عز وجل بها بعضها يقتضي أن تقوم بفعل، سواء أكان هذا الفعل فعلاً بدنياً أم فعلاً لسانياً أم فعلاً قلبياً، أو بعضها يقتضي طلب الكف والترك، وهذا يكون بترك الشرك والكفر وبترك البدعة وبترك جميع الذنوب والمعاصي، فترك الشرك وترك البدعة في حد ذاته عبادة، أي: أن مجرد الابتعاد في حد ذاته عبادة؛ وذلك أن الترك في حقيقته فعل، والدليل على ذلك قول الله عز وجل عن بني إسرائيل: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:٧٩]، فقوله: ((لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)) يعني: ترك التناهي، يقول تعالى: ((كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) يعني: يفعلون المنكرات في مجتمعاتهم فلا ينهى بعضهم بعضاً، ثم قال في وصفهم: ((لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ))، فما هو الفعل الذي فعلوه؟ هو أنهم تركوا النهي عن المنكر، فالترك فعل أيضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>