للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اختصاص الله عز وجل بعبادة الخلق له]

ثم بعد ذلك دلل على أن العبادة خاصة بالله سبحانه وتعالى، فقال: فجنس المحبة تكون لله ولرسوله كالطاعة، فإن الطاعة لله ولرسوله، والإرضاء لله ولرسوله، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة:٦٢]، والإيتاء لله ورسوله، كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة:٥٩].

وأما العبادة وما يناسبها من التوكل والخوف ونحوه فلا تكون إلا لله وحده.

ثم استدل ببعض الأدلة، ويمكن أن نشير إلى وجه الدلالة فيها؛ كقوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:٦٤].

فإنه قال: {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ} [آل عمران:٦٤]، وهذا فيه حصر العبادة لله عز وجل، وذلك أن النفي مع الإثبات في آن واحد يدل على الحصر والقصر، وهذا معروف عند أهل البيان والبلاغة.

ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة:٥٩]، فانظر كيف قرن بين الله ورسوله في مسألة الإيتاء؛ لأن الإيتاء يمكن أن يكون من الله، ويمكن أن يكون من الرسول، كما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧]، لكن انظر إلى الحسب -وهو الكفاية والتوكل-، فقد قال تعالى: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} [التوبة:٥٩] ولم يقل: (حسبنا الله ورسوله) لأن الحسب عبادة، أما الإيتاء فيمكن أن يكون من الله، ويمكن أن يكون من الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك.

فانظر إلى هذه الآية العجيبة، ففيها إيتاء وحسب ورغبة، فالإيتاء جعله لله وللرسول، وجعل الحسب لله وحده، والرغبة لله وحده، وهذا يدل على أن حصر الحسب والرغبة في الله عز وجل مقصود، والدليل على أنه مقصود هو كونه جعل الحسب بين موضعين من الإيتاء، حيث قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة:٥٩]، هذا هو الموضع الأول، ثم قال بعد ذلك: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} [التوبة:٥٩]، ثم قال: {سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} [التوبة:٥٩]، فجعل الإيتاء لله والرسول في بداية الآية، وفي آخر الآية كذلك جعله لله ولرسوله، وجعل الحسب بينهما لله وحده، والرغبة كذلك جعلها لله وحده، فالإيتاء لله وللرسول، كقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>