للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تسوية بعضهم لله بكل موجود وصرفهم العبادة لغير الله]

قال: [بل قد آل الأمر بهؤلاء إلى أن سوّوا الله بكل موجود، وجعلوا ما يستحقه من العبادة والطاعة حقاً لكل موجود].

هؤلاء هم أصحاب وحدة الوجود، وفكرة وحدة الوجود: هي أن هذه المخلوقات جميعاً هي الله عزَّ وجل! وكل جزء من هذه الأجزاء هي من الله سبحانه وتعالى! فالناس من الله والكائنات من الله والأرض كلها بما فيها من المخلوقات المتناقضة العجيبة هي من الله والكون كله من الله، وعندما قيل لهم: كيف تجعلون هذه الأجزاء كلها من الله عزَّ وجل مع أن الله واحد؟ قالوا: إن هذه أجزاء من نفس الجنس وهي كموج البحر، فأمواج البحر ما لا يحصى عدداً عندما تأتي موجة والثانية والثالثة وكلها من البحر؛ هكذا يصورونها.

ولهذا يقول زعيمهم زعيم الكفر ابن عربي الطائي: وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا، نثره ونظامه فنثر الأدباء وشعر الشعراء وكلام الحمقى والمغفلين، وكل ما يوجد في الدنيا من الكلام، هو من كلام الله عزَّ وجل! قبحه الله؛ ولهذا يقول: العبد رب والرب عبد يا ليت شعري من المكلف إن قلت عبد فذاك رب أو قلت: رب أنى يكلف يعني: كيف يكلف؟ فلا تكليف إذاً! وعلى هذا المبدأ قامت الباطنية الذين أبطلوا الشرائع وألغوا الأحكام التكليفية، لما قام علي بن الفضل خطيباً واستحل المحرمات، فهي فلسفة واحدة اختلفت الفرق في التعامل معها، لكن الجميع يسقطون التكاليف ويجعلون الإنسان إلهاً.

ولهذا عند الصوفية عقيدة مشهورة تسمى الإنسان الكامل أو الحقيقة المحمدية، ويعتقدون أن الإنسان الكامل هو الله عزَّ وجل، وأن الله عزَّ وجل هو الكون وأن كل مخلوق فهو خالق، لا يفرقون بين الخالق والمخلوق؛ فهم أشد كفراً من النصارى الذين وحدوا بين عيسى وبين الله سبحانه وتعالى، لأنهم وحدوا بين الله وبين كل المخلوقات حسنها وقبيحها.

قال المؤلف رحمه الله: [إذ جعلوه هو وجود المخلوقات، وهذا من أعظم الكفر والإلحاد برب العباد.

وهؤلاء يصل بهم الكفر إلى أنهم لا يشهدون أنهم عباد الله، لا بمعنى أنهم معبودون ولا بمعنى أنهم عابدون، إذ يشهدون أنفسهم هي الحق، كما صرح بذلك طواغيتهم، كـ ابن عربي صاحب الفصوص وأمثاله].

هذا كتاب اسمه فصوص الحكم وهو كتاب مطبوع ومشهور، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نقد لهذا الكتاب موجود في المجلد الثاني من الفتاوى اسمه الرد القويم على صاحب الفصوص، وهو رد رائع وممتاز بين فيه ما في هذا الكتاب من الضلال.

قال: [وأمثاله الملحدين المفترين، كـ ابن سبعين وأمثاله ويشهدون أنهم هم العابدون والمعبودون].

حتى ابن سبعين يحكى عنه أنه ذهب إلى غار حراء، وجلس شهراً ينتظر النبوة هناك، لأنه أخذ فكرة من الفلاسفة وهو: أن الإنسان بالرياضة يمكن أن يحصل على النبوة.

قال: [وهذا ليس بشهود لحقيقة لا كونية ولا دينية، بل هو ضلال وعمىً عن شهود الحقيقة الكونية، حيث جعلوا وجود الخالق هو وجود المخلوق، وجعلوا كل وصف مذموم وممدوح نعتاً للخالق وللمخلوق، إذ وجود هذا هو وجود هذا عندهم!].

<<  <  ج: ص:  >  >>