للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول الأول: أن المراد تسبيح الدلالة]

انقسم الناس في ذلك إلى ثلاث طوائف: الطائفة الأولى قالت: إن المراد بالتسبيح في هذه الآيات هو تسبيح الدلالة؛ فإن كل الموجودات تدل على أن هناك خالقاً خلقها وأوجدها، على حد قول الشاعر: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فقالوا: إن المقصود بالتسبيح ليس تسبيحاً حقيقياً، وإنما هو تسبيح مجازي المقصود به الدلالة على وجود خالق خلق هذا العالم.

وهذا القول باطل غير صحيح، والدليل على بطلانه هو أن هذه الموجودات تدل على الله عز وجل هذه في كل أحوالها وفي كل أوقاتها، بينما ورد التسبيح والسجود لبعض هذه المخلوقات في وقت دون وقت، كما قال الله عز وجل: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ} [ص:١٨].

فقوله: {سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ} [ص:١٨] يدل على أن هذه الجبال تسبح في أوقات معينة مع داود عليه السلام، فلو كان المراد بالتسبيح هو تسبيح الدلالة لكان ذلك في كل أوقاتها، سواء في العشي، أو في الإشراق، أو في الظهر، أو في الضحى، فكونه تعالى يبين أن تسبيحها في وقت دون وقت يدل على أن التسبيح ليس المراد به مجرد الدلالة على أن هناك خالقاً، فإن الجبال تدل على أن الله عز وجل خالقها حتى في الظهر، مع أنه هنا ذكر التسبيح لها في العشي والإشراق، فهذه يدل هذه الآية التي دلت على أن تسبيح هذه الجبال في وقت دون وقت دلت على أنه ليس المقصود من التسبيح هو ما فسره به هؤلاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>