للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[العصرانيون ومواقفهم من أحكام الشرع وأخباره]

العصرانيون ليسوا فرقة لها مؤسس ولها كتب ومصنفات، وإنما هم أتباع المدرسة العقلية التي انقرضت في القرن الماضي تقريباً.

والمدرسة العقلية مؤسسها هو جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده، وقد كان من أبرز سمات هذه المدرسة العقلية: أنها تقدم العقل على النصوص، وسار على نهج هذه المدرسة بعض المشتغلين بالدعوة الإسلامية في هذا العصر، ومن أبرز آراء هؤلاء: أنهم يقولون بأنه لابد من أن نقارب بين المجتمع الإسلامي الذي نعيش فيه، والعالم الغربي والحضارة الغربية الموجودة، وبعضهم يقول بوحدة الأديان، وأن اليهود والنصارى وغيرهم طرقهم جميعاً طرق توصل إلى الله سبحانه وتعالى، فنحن -أهل الإسلام- نصل إلى الله سبحانه وتعالى عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم، والنصارى يصلون إلى الله عن طريق عيسى، واليهود يصلون إلى الله عن طريق موسى، فيرى أن اليهود والنصارى بوضعهم الحالي على خير وأنهم سيصلون إلى الجنة، وبعضهم يعارض مقررات عقدية أساسية في دين الله عز وجل مثل الجهاد، فالجهاد قاعدة من قواعد هذا الدين، ولا يمكن أبداً أن يلغى، ولا يمكن أبداً أن يرده أحد، فحين ترجع إلى التاريخ الإسلامي، وتقرأ من زمن النبي صلى الله عليه وسلم تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل المشركين في غزوة بدر وفي أحد وفي الخندق، وقاتلهم في حنين، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وقامت أول دولة إسلامية بعد الرسول صلى الله عليه وسلم -وهي دولة الخلفاء الراشدين- قام المسلمون بالجهاد في سبيل الله، وكان الجهاد الذي عندهم هو جهاد الطلب، بحيث يذهبون إلى الأمم الأخرى ويقولون: أسلموا، أو ادفعوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وتنازلوا عن ملككم، أو القتال بيننا وبينكم، ولهذا وقعت معركة اليرموك، ومعركة القادسية التي نقرؤها في التاريخ، وهكذا، فالتاريخ الإسلامي مليء بالجهاد، ومليء بالمعارك، ومليء بمقاتلة المشركين، وليس هذا الجهاد هو بسبب نزعات قومية مثلاً، أو بسبب خلافات عرقية، أو بسبب خلافات في اللغة، بل السبب في هذه المعارك المشهورة في التاريخ الإسلامي هو: اختلاف الدين، فأهل الإسلام لهم دين، وأولئك لهم دين آخر، ولهذا كان من القواعد الأساسية التي يريد إبطالها العصريون: قاعدة المفاصلة بين أهل التوحيد وأهل الشرك، فالموحدون لهم منهج ولهم طريقة، كما قال الله عز وجل: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:٦]، وليس المقصود بقوله: ((لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)) أنكم تبقون على دينكم على رغبتكم وأنا أبقى على ديني، بل المقصود هو: أن ديني هو الصحيح، ولا يمكن التنازل عنه ولو شبراً واحداً، وأنتم إما أن ترجعوا إلى دين الله عز وجل، وإما أن تدفعوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإما أن يكون القتال بيننا وبينكم، كما كان يعرض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أمم الكفر جميعاً.

فهؤلاء العصريون من المشتغلين بالدراسات الإسلامية بعضهم أساتذة ودكاترة، ومع ذلك يقولون: إن المشروع في القتال هو الدفع فقط، فلو أن شخصاً آذاك فإنك تدفعه، لكن أن تبتدئ الآخرين وتدعوهم وتقاتلهم فلا، إذ ليس هذا من الدين، ولا شك في أن هذا كلام باطل تنقضه النصوص الشرعية الواردة في القرآن وفي السنة، وتنقضه السيرة العملية لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وبعض الناس يقول: لماذا نتدخل في شئون الأمم الأخرى؟ فنقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يواجه مثل هؤلاء ويقاتلهم في سبيل الله.

ومثل هذا نماذج أخرى عند هؤلاء يريدون بها تمييع قضايا العقائد، خاصة القضايا الأساسية في المعتقد، مثل قضية الولاء والبراء، ومثل قضية الجهاد في سبيل الله، ومثل قضية عدم الرضا بالكفر، ومثل قضية التمييز بين المنافقين والمؤمنين، ومثل قضية دار الإسلام ودار الكفر.

فمثل هؤلاء يؤلفون الكتب في قضايا الجهاد في الفقه الإسلامي مثلاً أو في غيرها، ويحاولون أن يتلاعبوا بالأحكام الشرعية بهذه الطريقة، فهم لا يؤمنون بأن الجبال تسبح حقيقة، ولا يؤمنون بأنها تسجد حقيقة، ولا يؤمنون بأنها تقنت وتديم الطاعة لله حقيقة، ولا يؤمنون بأن الفأرة فاسقة حقيقة، ولا يؤمنون بأن الحية فاسقة حقيقة، ولا يؤمنون كذلك بأن الوزغ يقتل لأنه كان ينفخ النار على إبراهيم عليه السلام، وإنما يحاولون أن يؤولوا ذلك بأي وجه من أوجه التأويلات الباطلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>