للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مرتبة المشيئة والإرادة]

المرتبة الثالثة: إثبات مشيئة الله سبحانه وتعالى العامة.

وهي التي تدل على أن الله سبحانه وتعالى خالق لكل شيء، فهو سبحانه وتعالى يشاء ويريد سبحانه وتعالى، ولا يمكن أبداً أن يحصل في كون الله عز وجل وفي مخلوقات الله شيء لم يرده الله سبحانه وتعالى.

وهنا تحدثنا عن نوعين من الإرادة: الإرادة الأولى: هي الإرادة الكونية، وقلنا: إن معنى الإرادة الكونية: أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يخلق كل شيء، ولا يمكن أن يوجد في كون الله عز وجل وفي مخلوقات الله شيء لم يرده الله عز وجل، وبناءً على هذا المعنى للإرادة فإن الكفر مما أراده الله، والمعاصي مما أراد الله سبحانه وتعالى، وكذلك الإيمان مما أراده الله، وكذلك الأعمال الصالحة مما أراد الله سبحانه وتعالى، وكذلك وجود الأنبياء والصالحين والطيبين من الناس والعبّاد والزهّاد والمجاهدين ونحو ذلك، كل ذلك مما أراد الله سبحانه وتعالى أن يوجد في هذه الأرض، كما أن إبليس والكفار وأعداء الدين مما أراد الله عز وجل أن يخلق وأن يوجد في هذا الكون، وبناءً على هذا فإن الإرادة الكونية -كما سبق أن أشرت- هي بمعنى الخلق؛ فالله عز وجل خالق لكل شيء، ولو كانت هذه المخلوقات ليست طيبة، ولو كانت هذه المخلوقات لا يحبها، فالله عز وجل يخلق أشياء وهو لا يحبها، فيخلقها وهو يكرهها ويبغضها، فقد خلق إبليس مع أنه يبغضه، وخلق الكفار مع أنه يبغضهم، وخلق كثيراً من الدواب المؤذية مع أنه يبغضها.

إذاً: ما هي الحكمة عندما يخلق الله عز وجل أشياء وهو يبغضها؟ إن الحكمة من ذلك هي الابتلاء، كما قال الله عز وجل: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود:٧] فخلق الله عز وجل هذه الأشياء التي هي في ظاهرها متعارضة، وهي في الحقيقة مخلوقة ليبتلي بها العباد وينظر إلى أي شيء ينقادون، وهل يتبعون الرسل أم لا يتبعون.

كما أنه سبحانه وتعالى أراد إرادة أخرى، وهذا يدعونا إلى الحديث عن الإرادة الثانية، وهي الإرادة الشرعية، والإرادة الشرعية موافقة لمعنى محبة الله عز وجل ورضاه، فهذه الإرادة هي التي أمر بها بالأوامر الشرعية، وهي التي نهى بها عن المناهي والمحرمات، وحينئذ يعرف الإنسان أن الله عز وجل له إرادتان: إرادة بمعنى الخلق، وإرادة بمعنى الشرع والأمر.

وحينئذ عندما يقرأ الإنسان قول الله عز وجل: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:٧] يعلم أن المعنى: لا يريده ولا يحبه، والرضا قدر زائد على الإرادة، فهو شبه مستقل عن صفة الإرادة، لكن قد يقول قائل: إذا كان لا يرضاه فلماذا يريده كوناً؟

و

الجواب

ليبتلي الله عز وجل العباد.

<<  <  ج: ص:  >  >>