للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اختلاف طوائف التصوف واختلاف الحكم عليها]

الصوفية ليسوا على درجة واحدة، وهذه قضية من القضايا التي ينبغي أن يفهما الإنسان، فالصوفية ليسوا على درجة واحدة، وليسوا طائفة واحدة، بل الصوفية طوائف، فبعضهم على عقيدة ابن عربي -كما ستأتي الإشارة إليه- في التصوف، وهذا كفر مبين، والعياذ بالله، وبعضهم عنده بدع غليظة لكنه لم يصل إلى درجة الكفر، وإنما هو ضال ومنحرف عن السنة، وبعضهم أقل شأناً، فعنده بعض البدع العملية مثل بعض الأذكار البدعية، وبعض الأوراد البدعية التي فيها توسل بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يكون فيها عدد معين من الدعاء لم يرد في السنة، مثل أن يقال ألف مرة، أو نحو ذلك، وكل هذا من البدع المحدثة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).

وهناك طائفة من الصوفية إنما هم عبّاد وأتقياء اعتنوا بجانب أعمال القلوب، لكن عندهم شيء من الجهل، وشيء من عدم معرفة الأحكام الشرعية، ولم يعتنوا بالتعلم، وإنما عظّموا جانب أعمال القلوب أكثر من جانب العلم الشرعي، فحصل عندهم بعض الأخطاء وبعض المزالق، ولهذا فإنك حين تقرأ في كتب التراجم قد تجد عالماً يقال عنه: فلان بن فلان الصوفي.

فلا يعني هذا أنه كافر عندنا، ولا يعني أنه ضال مبتدع، لا، بل قد يكون هذا الإنسان عابداً، لكن وصف بهذا الوصف من قبل شخص ترجم له، ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يتخذ موقفاً واحداً تجاه هذه الفئة بحيث يحكم عليها بحكم واحد، بل كل إنسان له حكم خاص، وكل فئة لها حكم خاص، وكل رأي له حكم خاص؛ فهذه الطائفة -كما قلت- مجموعات مختلفة، فإذا حكمت عليها بحكم واحد أخطأت، فإذا حكمت عليهم بأنهم مبتدعة كلهم فقد أخطأت من ناحيتين: الناحية الأولى: أنه قد ينسب أشخاص إليهم وهم ليسوا مبتدعة، فتكون قد أخطأت في حق هؤلاء الأشخاص المساكين.

الناحية الثانية: أنه قد يوجد أشخاص ينتسبون إلى الصوفية وهم كفار، مثل ابن عربي، وابن سبعين، وأمثال هؤلاء الضالين، فتكون قد أخطأت عندما أدخلت هؤلاء في الإسلام وهم في الحقيقة كفار، ولهذا ينبغي للإنسان أن يكون لديه سعة أفق في التعامل مع الأحكام، فلا يصح أن يطلق الإنسان الأحكام جزافاً بغير بينة وبغير إدراك وبغير معرفة، ولهذا كان السلف -رضوان الله عليهم- يسمون الآراء المخالفة للسنة مقالات؛ لأن كل شخص مسئول عن مقالته التي قالها، وقد يوجد مجموعة أشخاص يتفقون على سلسلة عقدية معينة، فهؤلاء يسمون فرقة ويسمى رأيهم مذهباً، لكن لا يصح أن يحكم الإنسان هكذا جزافاً، وإنما الواجب أن يتثبت الإنسان وأن يعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>