للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تقسيم العبودية إلى اختيارية واضطرارية وما يرادف هذين القسمين]

سبق أن تكلمنا عن أقسام العبودية، وقلنا: إنها تنقسم إلى قسمين: قسم اضطراري، وقسم آخر اختياري، وهناك استخدامات أخرى مقاربة لمعنى هذين القسمين، فالعبودية الاضطرارية قد يعبّر عنها بتوحيد الربوبية، وقد يعبّر عنها بالإرادة القدرية الكونية.

والعبودية الاختيارية قد يعبّر عنها بتوحيد الإلهية، وقد يعبّر عنها بالإرادة الشرعية الدينية، فهذه التعبيرات متقاربة في المعنى.

فإذا جئنا إلى العبودية الاضطرارية نجد أنها هي نفسها معنى إثبات أن الله عز وجل هو الخالق وحده، والرازق وحده، والمحيي وحده، وجميع المخلوقات مذعنة لله عز وجل وذليلة له، وهذه هي إرادته العامة الشاملة، وهي ترادف معنى الخلق والإيجاد والرزق والتدبير.

وإذا جئنا إلى العبودية الاختيارية نجد أن معناها هو أن يذل الإنسان ويخضع لله عز وجل عن اختيار ورغبة، وهذا هو توحيد الإلهية، فتوحيد الإلهية هو توحيد الله عز وجل بأفعال العباد، وهو معنى الإرادة الدينية الشرعية، فإن الإرادة الدينية الشرعية هي ما أمر الله سبحانه وتعالى به من الأوامر، وما نهى عنه من المنهيات، فهذه هي الإرادة الدينية الشرعية.

ويمكن أن نذكر بعض الفروق بين الإرادتين، وبين التوحيدين، وبين العبوديتين، وهذه الفروق متشابهة، سواء أكانت بين توحيد الربوبية والإلهية، أم بين العبودية الاضطرارية والعبودية الاختيارية، أم بين الإرادة الكونية والشرعية.

وقد يقول قائل: إذا كانت هذه الكلمات الثلاث الأولى بمعنى متقارب، والكلمات الثلاث الثانية بمعنى متقارب، فلماذا أطلقت بهذه الطريقة؟!

و

الجواب

أن الذين قالوا: العبودية اضطرارية واختيارية نظروا إلى العبد نفسه، فوجدوا أن حالات التعبد التي تحصل للعبد على نوعين: حالة اضطرارية تحصل للمسلم والكافر، والبر والفاجر.

وحالة اختيارية: وهي أن يختار الإنسان أن يذل لله عز وجل رغبة منه بدون أن يكون هناك إلزام قهري خارج عن إرادته.

وهذه من ناحية العبودية وتقسيمها، فإذا نظروا إلى الموضوع من ناحية التوحيد وجدوا أن العبد إما أن يوحد الله عز وجل في خلقه له، وهذا أمر يشعر به، أو يوحده في عبادته له، وهذا ما يختاره من التعبد.

وإذا نظروا إلى الموضوع من جهة الله عز وجل وجدوا أن الله سبحانه وتعالى مريد، فنظروا في إرادته فوجدوا أن إرادته على نوعين: إرادة عامة لا يمكن أبداً أن يحصل خلافها، وسموا هذه الإرادة الإرادة الكونية القدرية، وهي التي لا يمكن أن يخرج عن مراد الله عز وجل فيها شيء.

وإرادة أخرى هي عبارة عن أوامر ونواه، فيحب الله عز وجل من العباد أن يفعلوا الأوامر ويحب أن يتركوا النواهي، لكن لم يلزمهم فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>