للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عقيدة الشيخ عبد القادر السلفية وما أخذ عليه في منهج التصوف]

وعقيدة الشيخ عبد القادر في الأسماء والصفات، وفي الإيمان، وفي القدر، وفي اليوم الآخر، وفي النبوات ونحو ذلك هي عقيدة السلف الصالح رضوان الله عليهم، وهو موافق لعقيدة السلف في هذا الأمر، والذي يطلع على كتابه (الغنية) يعرف هذا؛ فإن من يقرأ في الغنية يجد أنه يذم علم الكلام ويثبت الصفات، ويذم تأويل المتكلمين للاستواء ولغير ذلك من الصفات الإلهية، ونجد -أيضاً- أنه دائماً ينص على وجوب الاعتماد على الكتاب والسنة، وكتاب (الغنية) فيه قسم خاص بالكلام على العقائد، وقد وضح فيه عقيدته في أهم هذه المسائل جميعاً، فهو يقول: إن الإيمان قول وعمل، وقول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان ونحو ذلك من مقالاته، وهو في التوحيد وأقسامه الثلاثة موافق للسنة، ولم يكن على رأي أهل الكلام في أي عقيدة من هذه العقائد، لكن الذي وقع فيه الشيخ عبد القادر هو أنه خالف السنة في بعض الأمور العملية في التعبد، فهو أول من جاء بفكرة الطرق الصوفية، وهو أن يجعل له تلاميذ معينين يقومون بالدراسة عليه، ويأخذون طريقته في التعبد، ويلتزمون طريقته في التعبد ويتواطئون عليها، فيعلم السابق منهم اللاحق، وهو -كذلك- كان -كما ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء- يقوم بما تسميه الصوفية: (الخلوة) حيث كان يختلي بنفسه كثيراً، وكان ربما ذهب إلى الصحراء وبقي في المكان الخالي وقتاً كثيراً، وهذه الخلوة بهذه الطريقة لا شك في أنها مخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجتمع بالناس ويجاهد معهم، ويعيش معهم ويختلط بهم، ولا يختلي للتعبد إلا في حالات، مثل الاعتكاف، والاعتكاف ليس ميدانه الصحراء أو الكهوف والمغارات أو الأماكن البعيدة، وإنما مكانه المساجد كما هو معلوم، فحصل عنده شيء من الأخطاء في موضوع السلوك وفي موضوع التعبد.

وفي هذا يمكن أن نشير إلى تنبيه مهم جداً، وهو أن منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم منهج كامل، فهو منهج في الاعتقاد، وفي نفس الوقت منهج في طريقة التعبد والسلوك إلى الله سبحانه وتعالى، وهو كذلك منهج في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وهو منهج في الحرب والسياسة، وهو منهج في التغيير وإنكار المنكر، ونحو ذلك، وهو منهج في طلب العلم وكيفية التعلم، وهو منهج في الاستدلال بالنصوص، وهو منهج في التفقه، ولهذا ينبغي أن يدرس منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم بهذه الشمولية؛ لأن بعض الناس يتصور أن منهج السلف ومنهج أهل السنة والجماعة خاص بمسائل العقائد المشهورة مثل الصفات، أو قضايا الإيمان، أو اليوم الآخر والغيبيات ونحو ذلك، وهذا غير صحيح، فمنهج السلف منهج كامل في ميادين متعددة، وقد يكون الإنسان في بعض الأحيان موافقاً للسنة في مجال العقائد النظرية، لكنه قد يكون مخالفاً للسنة في أبواب أخرى وهذه قضية لا بد من أن يهتم بها الإنسان، فقد يكون الإنسان في بعض الأحيان موافقاً للسلف في العقائد، فهو يثبت الصفات، وعقيدته في القدر مثل عقيدة السلف، وفي بقية المسائل الاعتقادية مثل عقيدة السلف، لكنه يخلط في الدعوة إلى الله عز وجل، فتجد أنه قد يوالي الظالمين مثلاً، أو يداهن الطواغيت، أو يتنازل عن كثير من قضايا دعوته الأساسية، وربما يصل إلى حد أنه يغير بعض المفاهيم الشرعية بسبب طلبه لمكانة عند أحد ونحو ذلك، فهذا المنهج مخالف لمنهج السلف رضوان الله عليهم حتى لو كان الرجل نفسه موافقاً لعقيدة السلف في موضوع الأسماء والصفات وفي موضوع العقائد النظرية المعروفة.

فالشيخ عبد القادر وقع في بعض الأخطاء، وهذه الأخطاء التي وقع فيها لا شك في أنها لا تبعده عن السنة، لكنه مخطئ في ذلك.

وأما ما ينسبه إليه الصوفية من كثير من العقائد الفاسدة والباطلة فلا شك في أنه ليس عليه في ذلك شيء، وليس عليه وزر، فإن النصارى نسبوا إلى عيسى عليه السلام أموراً كثيرة جداً وهو منها براء، وكذلك اليهود نسبوا إلى إبراهيم، وكذلك الباطنية نسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى الدين أموراً كثيرة وهي باطلة، فليس كل أمر ينسب إلى عالم من العلماء يكون عليه وزره فيما نسب إليه من هؤلاء الضالين، وإنما الضالون يتحملون وزر ذلك يوم القيامة.

والشيخ عبد القادر الجيلاني له تلاميذ كثر، منهم أبو محمد أحمد بن عبد الله بن قدامة المقدسي صاحب المغني، ومنهم أيضاً أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي صاحب (عمدة الأحكام) الكتاب الذي يدرس، وهو حنبلي مشهور على طريقة الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>