للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سبب ضلال غلاة الصوفية في باب الاحتجاج بالقدر على المعاصي]

قال: [وسبب ذلك: أنه ضاق نطاقهم عن كون العبد يؤمر بما يقدر عليه خلافه].

يقول: كيف العبد يؤمر بشيء يقدر عليه خلافه؟ يعني: الأوامر الشرعية عامة لكل البشر، والنواهي عامة أيضاً لكل البشر، وكل البشر مطالبون بالأوامر الشرعية ومطالبون بترك النواهي التي نهى عنها الله عز وجل.

وأيضاً: الله عز وجل قدر لكل إنسان أجله ورزقه وشقي أو سعيد، وهذا من الغيب الذي لا يعلمه الإنسان، فالإنسان ليس مطالباً بكشف قدره، فهذا غيب لا يعرفه.

فالشيء المطالب به الإنسان هو العمل، ولهذا جاء الأمر والنهي عاماً لكل البشر.

والمشكلة التي وقع فيها هؤلاء هي أنهم لم يستطيعوا فهم كيف أن الله يأمر البشر جميعاً بأوامر، مع أنَّ كثيراً منهم قد كتب عليهم الشقاء، فيقولون: كيف يأمر هؤلاء بأوامر، مع أنه كتب عليهم الشقاء؟ نقول: بالنسبة للعبد ليس مطالباً أن يكشف القدر؛ لأنه غيب، ولو أراد أن يكشف القدر فلن يستطيع.

وكونه يعمل المعاصي ويحتج لهذه المعاصي على أن قدره أنه شقي هذا احتجاج فاسد؛ لأنه ادعاء ومحاولة لكشف علم الغيب بطريقة غير صحيحة؛ ولأنه بإمكانه أن يترك هذه الذنوب وأن ينقلب ويصبح من الصالحين.

ونحن نعرف أعداداً كبيرة جداً من الناس كانوا كفاراً فأسلموا، أو كانوا عصاةً فتابوا، فهؤلاء لو احتجوا وبقوا على كفرهم وقالوا: نحن كفار هل يمكن أن يتحولوا؟ لا يمكن أن يتحولوا، سيبقى على كفره ويحتج بكفره، لكن تحوله هذا يدل على أن هناك إرادة حقيقية عند الإنسان في التحول.

فأنت بإمكانك أن تقوم وتصلي لله عز وجل، وتبكي من خشية الله وتقرأ القرآن وتكثر وتصوم، وبإمكانك أن تذهب وتزني وتفعل الفواحش وتشرب الخمر، وكل هذا متعلق بإرادتك.

وعملك في حد ذاته ليس كشفاً للقدر، فالقدر غيب، فبالنسبة للعبد هو مطالب بالعمل؛ لأن القدر بالنسبة له غيب لا يمكن اكتشافه، فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر القدر للصحابة رضوان الله عليهم: (إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قالوا: يا رسول الله! ففيم العمل؟) يعني: إذا كانت أقدارنا مكتوبة سابقاً فلماذا نعمل؟ (قالوا: ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له) لأنك لا تدري ما هو المكتوب لك، فيجب عليك أن تحسن الظن، وأن تشعر أن بإرادتك فعل الطاعة وحينئذٍ ستفعلها، فالمكتوب عليك سابقاً لا ينبغي أن تحدده بأنه مثلاً الشقاء وتعمل له، هذا خطأٌ كبير.

فأنت يجب عليك أن تعتقد أن هذا سر الله عز وجل لا يعلمه إلا هو، وبالنسبة لك أنت ملزم بالعمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>