للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أهمية الآداب والأخلاق في حياة المسلم]

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، إنك أنت العليم الحكيم.

أيها الإخوة الكرام! سنبدأ -إن شاء الله- في هذا الدرس أولاً بقراءة شيء من كتاب (حلية طالب العلم) للشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد، ثم بعد ذلك نبدأ بقراءة كلام شيخ الإسلام رحمه الله وشرحه حسب القدرة والمستطاع.

وهذا الكتاب -وهو حلية طالب العلم- موضوعه الآداب والأخلاق، والآداب والأخلاق لهما أهمية كبرى في ميزان الشريعة، حيث إن العبد يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مدح الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالأخلاق فقال سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤]، فالأخلاق الكريمة والآداب الفاضلة مهمة جداً لكل المسلمين ولطلاب العلم على وجه الخصوص، فطلاب العلم بحاجة إلى الأدب وبحاجة إلى الأخلاق، وينبغي لطالب العلم أن يفهم أنه كما ينبغي عليه أن يتعلم الأحكام الشرعية والعقائد الصحيحة ينبغي عليه - أيضاً - أن يتعلم الآداب، وأن يتعلم الأخلاق الكريمة، فلا فائدة من علم بلا أدب، والأدب له أهمية كبرى، وقد كان السلف رضوان الله عليهم يبدءون بتدريس الأدب قبل العلم، والأدب من الإيمان، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الإيمان بضع وستون -وفي لفظ: بضع وسبعون- شعبة، فأعلاها: قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، والحياء لا شك في أنه من أعظم الآداب والأخلاق الكريمة، وقد قال الصحابة رضوان الله عليهم: (تعلمنا الإيمان قبل القرآن) أي: تعلمنا الأدب والأخلاق والعمل الصالح والتقوى والإخلاص لله عز وجل قبل العلم، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً، وهذه قضية مهمة، وهي أنه ينبغي على طالب العلم أولاً أن يبدأ بالآداب والأخلاق والإيمان والتقوى والإخلاص لله سبحانه وتعالى قبل أن يبدأ بالمعلومات المجردة، فإن العلم له ثمرة وله مقصود، وهذا المقصود هو العمل، فإذا كان العلم لا يوصل صاحبه إلى العمل والأخلاق الكريمة والآداب الفاضلة فإنه لا خير فيه ولا نفع، فليس العلم معلومات مجردة يتلقاها الإنسان ويحفظها ويذاكرها مع أقرانه ليبرز فضله ويتميز على الآخرين، وإنما العلم أكبر من ذلك بكثير، فالعلم ينبغي على الإنسان أن يدرك أنه يهذب الأخلاق والطباع، ويربي النفس، وينمي الإيمان في القلب، وتنمو به شجرة التقوى في قلب الإنسان، فتثمر الأعمال الصالحة، واليقين، والصبر، والتوكل على الله سبحانه وتعالى، والإنابة إليه، والخشية، والخوف من الله سبحانه وتعالى، والمحبة له ولأوليائه، والبغض لأعدائه، فكل هذه الأعمال الإيمانية الكريمة التي هي ثقيلة في ميزان العبد يوم القيامة هي ثمرة العلم الذي يتعلمه، فإذا عرف الإنسان وإذا عرف طالب العلم أن العلم ليس مجرد حشد المعلومات وحفظها، وإنما هو العمل، والصبر، والأدب، والأخلاق العالية، والتصرف الحكيم، إذا عرف هذا الأمر فإنه سيهتم بالأدب وسيهتم بالإيمان، كما أنه سيهتم بالعلم، وحفظ الأدلة، وترتيب المسائل وفقهها.

<<  <  ج: ص:  >  >>