للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تقديمهم للذوق والوجد على النص الشرعي]

قال رحمه الله: [فأهل الإيمان لهم من الذوق والوجد مثل ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الصحيح: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار)، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً).

وأما أهل الكفر والبدع والشهوات فكل بحسبه] مُراد الشيخ هنا: هو أن الصوفية قدموا أذواقهم على النص الشرعي، والحقيقة أن الذوق هو بحسبه؛ فأهل الإيمان من أهل العقيدة الصحيحة لهم ذوق خاص، لكن هذا الذوق يكون باتباع الكتاب والسنة، وفي الحديث: (من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان) فله طعم وله حلاوة وله ذوق خاص، لكن هذا الذوق الوارد في الأحاديث الصحيحة ذوق في اتباع الكتاب والسنة.

وأما أهل البدع فلكل مبتدع ذوقه الخاص، فإذا كانت هذه الأذواق توضع كعقبات دون اتباع الكتاب والسنة فهذا هو الضلال المبين.

قال: [قيل لـ سفيان بن عيينة: ما بال أهل الأهواء لهم محبة شديدة لأهوائهم؟ فقال: أنسيت قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البقرة:٩٣] أو نحو هذا من الكلام.

فعباد الأصنام يحبون آلهتهم كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥] وقال: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص:٥٠] وقال: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:٢٣] ولهذا يميل هؤلاء إلى سماع الشعر والأصوات التي تهيج المحبة المطلقة التي لا تختص بأهل الإيمان، بل يشترك فيها محب الرحمن ومحب الأوثان ومحب الصلبان ومحب الأوطان ومحب الإخوان ومحب المردان ومحب النسوان؛ وهؤلاء الذين يتبعون أذواقهم ومواجيدهم من غير اعتبار لذلك بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة].

يعني: الصوفية من الأمور التي ينمي الذوق عندهم: هو سماعهم للأناشيد والغناء، وتلذذهم بالأصوات الحسنة، وتعلقهم بهذا الأمر، مع أن هذا الأمر ليس من الأمور التي يبنى عليها مدح أو ذم، فجمال الصوت أو جمال الصورة ونحوها من الأمور الدنيوية لا يترتب عليها مدح في ذاتها، وإنما يكون المدح باتباع الكتاب والسنة.

ولهذا أشغلهم السماع، والتعبد بسماع الأصوات والتعلق بها عن سماع كتاب الله عز وجل وقراءته وتدبره فضلاً عن حفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والتفقه فيها.

وهناك كتاب لـ ابن القيم رحمه الله كبير، اسمه السماع تحدث فيه عن هذه البدعة التي جاء بها الصوفية وهي: تلذذهم وتعلقهم بسماع الأصوات والطرب، والتعلق بالأغاني والأناشيد، وقد يستخدمون فيها الطبل، وقد يستخدمون فيها المزامير، وقد يكون الشخص المغني أو الشخص الذي يقوم بهذا الإنشاد فاسقاً، إلا أنهم يفضلونه ويعظمونه ويرون أنه مقدم عندهم.

إذاً: هؤلاء ابتعدوا كثيراً عن الكتاب والسنة، سواءً في الوسيلة أو في الغاية أو في الذوق الناتج عن هذه الأعمال التي يقومون بها، فعباداتهم ليست كعبادات المسلمين المعروفة من الصلاة والصيام والتعلق بما عند الله عز وجل، والتوكل على الله ومحبته، وإنما هي أصوات وطرب وغناء ورقص يتعبدون لله عز وجل بها، وهذا ابتداع ولا شك؛ ولهذا أوصلهم إلى هذه العقائد المضلة.

والغناء له جانبان: * جانب يقوم به أهل الفسق، وهذا الجانب الذي يقوم به أهل الفسق هو الغناء المعروف الذي يتحدث عن غزل النسوان والتعلق بهن ونحو ذلك، ويستخدمون فيه المعازف وآلات الطرب.

* وهناك نوع آخر من الغناء يقوم به الصوفية يتعبدون لله به، يجتمعون فيما يسمى بالحضرة، يرقصون ويطبلون ويغنون، وقد يصبح عند بعضهم شطح، فيتكلم بكلام لا يعقله، وقد يكون هذا الكلام فيه ردة وكفر، والعياذ بالله يتعبدون لله بهذه الطريقة، ويتركون العبادات الشرعية من الصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن وحفظ الحديث ودراسة العلم ونحو ذلك من الأعمال الفاضلة والطيبة.

قال: [فالمخالف لما بعث الله به رسوله من عبادته وحده، وطاعته وطاعة رسوله! لا يكون متبعاً لدين شرعه الله أبداً، كما قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>