للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[العبودية الحقة هي عبودية القلب لا البدن]

قال: [فالعاقل ينظر إلى الحقائق لا إلى الظواهر، فالرجل إذا تعلق قلبه بامرأة ولو كانت مباحة له].

مباحة له يعني: زوجته، أو أمته، وقد اختفت من قاموسنا الإماء الآن؛ بسبب ترك الجهاد، وسيطرة الكفار على بلاد المسلمين.

قال: [فالرجل إذا تعلق قلبه بامرأته -ولو كانت مباحة له- يبقى قلبه أسيراً لها، تتحكم فيه وتتصرف بما تريد، وهو في الظاهر سيدها؛ لأنه زوجها أو مالكها، ولكنه في الحقيقة هو أسيرها ومملوكها، ولاسيما إذا علمت بفقره إليها وعشقه لها، وأنه لا يعتاض عنها بغيرها، فإنها حينئذ تتحكم فيه تحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور، الذي لا يستطيع الخلاص منه، بل أعظم، فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن، فإن من استعبد بدنه واسترق وأسر، لا يبالي ما دام قلبه مستريحاً من ذلك مطمئناً، بل يمكنه الاحتيال في الخلاص.

وأما إذا كان القلب -الذي هو ملك الجسم- رقيقاً، مستعبداً، متيماً لغير الله فهذا هو الذل والأسر المحض، والعبودية الذليلة لما استعبد القلب].

إذاً: الحرية الحقيقية هي حرية القلب، والعبودية الحقيقية هي عبودية القلب، والعالم الغربي الآن جاءنا بموضوع الحريات العامة.

والحقيقة أنهم يستعبدون الناس استعباداً عجيباً، جاء بفكرة الحريات العامة ويقول: الإنسان له حق في التعبير، وله حق في التعليم، وله حق في كذا له، وحق في كذا، له حق في الانتخاب واختيار الرئيس، مع أنه في الحقيقة كما يقول بعض المفكرين الغربيين أن الذي يتحكم الآن في مصير أمريكا -مع أن عددهم يصل إلى ثلاثمائة مليون تقريباً أو أقل من هذا بقليل- هو واحد في المائة من الشعب الأمريكي فقط.

وأما البقية وهم أصحاب الشركات الكبرى فهم عبيد يستعبدونهم، يعني: الآن الرأس مالية الغربية هي عبودية بكل ما لكلمة عبودية من معنى، فهم يستعبدون العمال، ويمكن لشركة ضخمة كبيرة بحريتها أن تنقص مقدار الأجور حتى يصبح مقدار الأجر قليلاً جداً، أو أن تمنعه من التأمينات أو تجعله على راتب مؤقت، وإذا لم يقبل العامل يمضي إلى سبيله، لكنه محتاج، فيستعبدون الناس استعباداً عجيباً جداً، ولهذا انتشر في الغرب الذين يدعون إلى حقوق المرأة استعباد النساء، إلى درجة أنه تكونت عصابات في أوروبا الشرقية من أجل عملية بيع وشراء النساء للدعارة، يعني: شركات تمسك امرأة وتبيعها رقيقاً لشركة أخرى بمقدار كذا من أجل الدعارة، وتكون موظفة لفعل الفاحشة، ويتقاضى عليها أصحاب الشركة مبلغاً ويعطونها جزءاً بسيطاً منه.

والنظام العام الاسمي في البلد نفسه أنه يحق لها أن ترفض أن يبيعها أحد أو يشتريها، لكن لو رفضت تموت من الجوع.

ولهذا عشرات الذين ماتوا في العالم الغربي من الجوع لا دولة تعتني بهم في مجتمعهم، وفي قضاياهم، وفي الرعاية الاجتماعية بالنسبة لهم، ولهذا سميت: الرأس مالية المتوحشة، أو اللبرالية المتوحشة، فترضى الفتاة أنها تباع وتشترى، وتجد لقمة العيش، وتأتي بمبلغ بسيط لأمها وأبيها مضطرة؛ لأن الشركات الضخمة تهمها الأنانية، بل إن أحد الغربيين المفكرين الأمريكان ألف كتاباً سماه: (فضائل الأنانية)، يعني: ترجمته فضيلة الأنانية، يعني: كيف يمكن أن تكون الأنانية فضيلة من الفضائل؟ وكأن المقياس الأخلاقي انقلب.

ولهذا يستعبدون البشر باسم الحرية، مع أن الحرية الحقيقية هي: حرية القلب، وتعلقه بالله سبحانه وتعالى، وما هذه الدنيا إلا أداة بسيطة.

قال المؤلف رحمه الله: [وعبودية القلب وأسره هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب، فإن المسلم لو أسره كافر، أو استرقه فاجر بغير حق، لم يضره ذلك إذا كان قائماً بما يقدر عليه من الواجبات، ومن استعبد بحق إذا أدى حق الله، وحق مواليه فله أجران، ولو أكره على التكلم بالكفر، فتكلم به وقلبه مطمئن بالإيمان، لم يضره ذلك.

وأما من استعبد قلبه فصار عبداً لغير الله، فهذا يضره ذلك، ولو كان في الظاهر ملك الناس].

<<  <  ج: ص:  >  >>