للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي رواية مسلم أنها قالت: «إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونِّي عَنْ غَيْرِ كَاذِبَيْنِ، وَلاَ مُكَذَّبَيْنِ، وَلَكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ» (١).

ومن منهج الصحابة في الرواية والبحث عن الرُوَاةِ والأسانيد: الرحلة في طلب الحديث: وهي ظاهرة علمية وحضارية لم يكن لها مثل في التاريخ لا قبل الإسلام ولا بعده إلاَّ عند المسلمين ومنذ فجر تاريخهم أيام الخلفاء الراشدين.

لقد شحذ الصحابة الهِمَمَ وَتَخَطَّوْا الصعاب والعقبات، وقطعوا المسافات من أجل تلقي الحديث من حَمَلَتِهِ وَوُعَاتِهِ، بل سجل لنا التاريخ بالوثائق المؤكدة القاطعة ظاهرة أبلغ وأسمى في هذا الميدان تلك هي الرحلة في طلب الحديث الواحد فقط.

ومن ذلك ما ثبت بالأسانيد الصحاح عن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أنه رحل من المدينة المنورة إلى دمشق الشام ليسأل عبد الله بن أنيس الأنصاري عن حديث في القصاص من المظالم بين الناس يوم القيامة، فقال عبد الله بن أنيس: سَمِعْتُ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ، أَوْ قَالَ: يَحْشُرُ اللَّهُ النَّاسَ قال: - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّامِ - عُرَاةً غُرْلاً بُهْمًا» فَقُلْتُ: مَا بُهْمًا؟ قَالَ: «لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ» قَالَ: فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ، لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلُ النَّارَ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ، وَلاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلُ النَّارَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ.


(١) " البخاري ": في الجنائز: ج ٢ ص ٧٧ - ٨٠. و " مسلم ": ج ٣ ص ٤٢ - ٤٣ وذكره الزركشي في كتابه " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": ص ١٠٢ - ١٠٣ وانظر: ص ٧٦ - ٧٧.

<<  <   >  >>