للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل الصيام وسبب تقديمه على الحج]

ويلي الزكاة الصيام؛ لأنه نفع قاصر وعبادة بدنية ليست متعدية، والصيام يجب في السنة شهراً، ولهذا جاء الترتيب بتقديمه على الحج في الحديث على غير هذه الرواية التي أوردها المصنف، وهذه الرواية التي قدم فيها الحج على الصوم هي رواية البخاري، لكن الرواية التي جاءت في صحيح مسلم فيها بيان أن الصوم مقدم على الحج، وأن ابن عمر رضي الله عنه نفسه لما أعاد الذي أسمعه الكلام وقدم الحج على الصوم قال: (لا، الصوم والحج، هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وعلى هذا فتكون هذه الرواية التي أوردها المصنف هنا والتي تابع فيها البخاري -وقد أوردها البخاري في أول صحيحه- من تقديم الحج من قبيل الرواية بالمعنى، ومن قبيل تصرف بعض الرواة، وإلا فإن اللفظ الذي سمعه ابن عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أن الصوم مقدم على الحج.

والصوم أهم وأعظم من الحج من جهة أن الصوم يتكرر ويأتي كل سنة، ويكون شهراً كاملاً، وأما الحج فإنه لا يأتي في العمر إلا مرة واحدة، ولهذا جاء تقديمه على الحج كما جاء في حديث جبريل، وكما جاء حديث ابن عمر في الرواية الأخرى التي أخبر ابن عمر بأنه سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقديم الصوم على الحج، كما جاء في حديث جبريل.

وبذلك تكون هذه الأمور متتابعة على حسب أهميتها، أي: تقدم الشهادتان، ثم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج.

والإمام البخاري رحمه الله أورد حديث ابن عمر هذا في أول كتاب الإيمان من صحيحه، فأول حديث عنده في كتاب الإيمان هو حديث ابن عمر، وأورده بهذه الرواية التي فيها تقديم الحج على الصوم، وبنى عليها البخاري رحمه الله ترتيب كتابه، فإنه قدم كتاب الحج على كتاب الصوم، بناءً على هذا الحديث الذي أورده في أول كتاب الإيمان.

ولكن الرواية الأخرى بينت أن ابن عمر قال: (هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) وذلك لما أعاد عليه الرجل الحديث الذي سمعه منه فذكر الحج وقدمه على الصيام، فقال: (لا، الصوم والحج، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وعلى هذا يكون الترتيب مطابقاً للترتيب الذي جاء في حديث جبريل، وأن كل واحد أهم من الذي يليه وأعظم شأناً من الذي يليه، وإن كانت كلها أمور لازمة وواجبة.

وقد جاء في صحيح مسلم أن ابن عمر رضي الله عنه حدث بالحديث لمناسبة، وهي أنه سئل فقيل له: ألا تغزو؟ فروى الحديث وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بني الإسلام على خمس) ليبين أن أركان الإسلام هي هذه الخمسة، وأن الجهاد ليس من الأركان.

ومعلوم أن غير الأركان الخمسة تابع لها، وأن الإسلام ليس منحصراً فيها، ولكن ذكرت لأهميتها، ولتقدمها على غيرها، وأن غيرها تابع لها، والجهاد هو من أعظم وأفضل الأعمال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل، ولكنه ليس من الأركان، وذلك لأن هذه الأمور لازمة لكل مكلف، وأما الجهاد فإنه فرض كفاية، ويكون في أوقات دون أوقات، بخلاف هذه الأمور، فإنها لازمة ومستقرة وثابتة في حق كل مكلف، ولهذا بين ابن عمر رضي الله عنه أن الجهاد ليس من الأركان، وحدث بهذا الحديث الذي قال فيه النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان).