للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحوال الناس في البداية والنهاية]

وفي هذا الحديث بيان حالتين من الحالات الأربع التي تكون فيها أحوال الإنسان في البداية والنهاية؛ لأن أحوال الناس تنقسم إلى أربعة أقسام: القسم الأول: منهم من يكون ولد على الخير ونشأ عليه، وختم له به، فتكون بدايته ونهايته كلها حسنة، مثل الشاب الذي نشأ في طاعة الله عز وجل في السبعة الذين يظلهم الله في ظله: (وشاب نشأ في طاعة الله) فهو نشأ على خير واستمر عليه، ومات على خير، فتكون بدايته ونهايته كلها خير.

القسم الثاني: العكس، وهو الكافر الذي ولد بين كفار ونشأ على الكفر، واستمر ومات عليه، فالبداية والنهاية سيئة، فهاتان الحالتان المتقابلتان في السعادة والشقاوة من البداية حتى النهاية، وينتج عن ذلك دخول الجنة أو دخول النار.

القسم الثالث: من تكون بدايته حسنة، ونهايته سيئة، وهو الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في الجملة الأولى بقوله: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها) يعني: الأعمال بالخواتيم، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وإنما الأعمال بالخواتيم) وهذا يكون في مثل الذين كانوا مسلمين، ودخلوا في الإسلام، واستمروا عليه، وفي آخر الأمر أدركهم الخذلان فارتدوا عن الإسلام، وماتوا على الردة.

القسم الرابع: العكس، من تكون بدايته سيئة، ثم نهايته حسنة، أي: أنه يعمل بعمل أهل النار طيلة حياته، ثم في آخر الأمر يوفق فيدخل في الإسلام، وبعد فترة وجيزة يموت، فتكون حياته معمورة بالسوء، ثم في آخر الأمر حيث لم يبق إلا اليسير تحول وانتقل من حال سيئة إلى حال حسنة.

وختم له بها، ومن أمثلة هذا القسم السحرة الذين كانوا سحرة مع فرعون، فإنهم كانت حياتهم كلها مبنية على الكفر والسحر، وفي آخر الأمر آمنوا برب هارون وموسى، وبعد ذلك ماتوا على هذا وانتهوا إليه، فكانت حياتهم كلها شر قبل الإيمان، وفي الآخر ابتلوا وصارت نهايتهم حسنة وطيبة، ومثل ذلك الحديث الذي رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه: (أن غلاماً من اليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض فذهب إليه الرسول صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال له: أسلم وعرض عليه الإسلام، وكان أبوه موجوداً عنده، فنظر إلى أبيه، فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم مات، فقال عليه الصلاة والسلام: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) يعني: كان على ما كان عليه أبواه، كان على دين اليهودية، وبعد ذلك ختم له بخاتمة السعادة، ولم يكن بينه وبين الموت إلا شيء يسير جداً، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومات ولم يعمل عملاً، فختم له بخاتمة السعادة.

فهذه هي الأقسام الأربعة التي لا يخرج الناس عنها بالنسبة للبدايات والنهايات، وقريب من هذا التقسيم خلق الناس من الذكر والأنثى، فإن القسمة أيضاً رباعية؛ لأن المخلوقات أربعة أقسام: منهم من خلق من غير ذكر وأنثى وهو آدم، فإنه خلق من تراب، ومنهم من خلق من ذكر كحواء، ومنهم من خلق من أنثى كعيسى عليه السلام، وبقية الخلق خلقوا من ذكر وأنثى.

ومثلها أيضاً انقسام الناس في تحصيل الأولاد إلى أربعة أقسام: منهم من يكون له ذكور وإناث، ومنهم من يكون له ذكور خلص، ومنهم من يكون له إناث خلص، ومنهم من يكون عقيماً ليس له شيء من هذا ولا من هذا، فهي أيضاً قسمة رباعية.

الحاصل: أن الحديث في نهايته اشتمل على هاتين الحالتين من الأحوال الأربع، وهي: من بدايته حسنة ونهايته سيئة، ومن بدايته سيئة ونهايته حسنة.