للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب قبول الدعاء]

اشتمل الحديث على خمسة أمور من أسباب قبول الدعاء: الأمر الأول: السفر: وهذا الرجل الذي ضرب به المثل مسافر، وسفره طويل أيضاً؛ لأنه قال: (يطيل السفر)، وقد جاء في الحديث ذكر المسافر ضمن أشخاص تستجاب دعوتهم، وإذا كان المسافر مطيلاً للسفر، وفي غربة ووحشة لبعده عن أهله، وقلبه منكسر، وعنده هم وغم لبعده عنهم؛ فقد جاء ما يدل على أنه ممن يقبل ويستجاب دعاؤه.

الأمر الثاني: أشعث أغبر: وقد جاء في الحديث عن أهل عرفة أن الله تعالى يباهي بأهل الموقف الملائكة، ويقول: (انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً).

الأمر الثالث: رفع اليدين بالدعاء: فإنه قال: (يمد يديه إلى السماء)، أي: إلى الله عز وجل، وفي هذا بيان أن الله تعالى في العلو، والمقصود بالسماء العلو، والله تعالى فوق العرش، وهو في العلو وليس في داخل السماوات؛ لأن السماوات مخلوقة لله عز وجل، وهي ضئيلة أمام عظمة الله عز وجل، فلا يكون في داخل السماوات أو الأرضين؛ بل هو فوق العرش سبحانه وتعالى، فالمراد بالسماء هنا: العلو، كما قال الله عز وجل: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦] أي: في العلو، ومن المعلوم أن كل ما علا فهو سماء، وكل ما كان داخل السماوات ودون العرش فهو سماء ولكنه مخلوق، وما فوق العرش فهو سماء، والله سبحانه وتعالى هو في السماء التي فوق العرش، أي: في العلو.

ومعنى أنه يمد يديه إلى السماء أي: يرفع يديه إلى الله عز وجل، وقد جاء في الحديث: (إن الله يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً)، أي: أن الله تعالى يجيب دعاءه إذا رفع يديه.

الأمر الرابع: سؤال الله عز وجل بربوبيته: وأنه الرب الذي هو خالق كل شيء، والمربي لخلقه بالنعم، والمتفضل عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة، ولهذا كثيراً ما يأتي في القرآن ذكر الدعاء مبدوءاً بربنا، كقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران:٨]، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة:٢٠١]، {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦] آيات كثيرة فيها دعاء الله عز وجل باسم الرب وبوصف الربوبية لله سبحانه وتعالى.

الأمر الخامس: الإلحاح في الدعاء: وذلك حينما قال: يارب! يارب! وهذا التكرار فيه إلحاح.

إذاً: هذه الأمور الخمسة كلها من أسباب قبول الدعاء، ومع ذلك فإن هذا الذي حصلت منه هذه الأمور لم تحصل له الاستجابة؛ لأنه يأكل ويتعاطى الحرام في مأكله وملبسه ومشربه وغذائه وفي جميع تصرفاته، كل استخدامه واستعماله للمال الحرام، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام بعدما ذكر هذه الأحوال التي اتصف بها هذا الرجل الذي سأل الله عز وجل، ولكن جاءت الأمور التي تمنع وهي: كون مأكله حراماً ومشربه وملبسه وغذي بالحرام، قال بعد ذلك: (فأنى يستجاب لذلك؟!) أي: كيف يستجاب له؟! هذا بعيد أن يستجاب له وقد حصل منه الأخذ بهذه الأسباب التي تمنع قبول الدعاء، ولكن مع ذلك فإن الاستجابة لمن هذه حاله غير مستحيلة؛ فإن الله عز وجل إذا شاء أن يستجيب لمن حصلت منه الذنوب فإنه يستجيب، ولكن هذه الأمور من أسباب عدم قبول الدعاء.