للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هيئة رفع اليدين في الدعاء]

قال ابن رجب رحمه الله: (وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة رفع يديه في الدعاء أنواع متعددة، فمنها: أنه كان يشير بأصبعه السبابة فقط، وروي عنه أنه كان يفعل ذلك على المنبر، وفعله لما ركب راحلته).

معلوم أن الإشارة بالسبابة تكون عند ذكر الله تعالى، كما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في التشهد يحرك أصبعه يدعو بها، وكذلك في الخطبة كان لا يزيد على أن يشير بإصبعه، فما كان يرفع يديه، كما جاء أن عبد الملك بن مروان كان يخطب وقد رفع يديه، فأنكر عليه بعض الصحابة وقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد على أن يقول بإصبعه هكذا) إذاً: الخطبة لا ترفع فيها الأيدي وإنما يشار بالإصبع فقط، إلا في الاستسقاء إذا حصل في الخطبة فترفع الأيدي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما استسقى في خطبة الجمعة رفع يديه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

ولعل إشارة النبي صلى الله عليه وسلم بأصبعه كانت تكون عند التكبير وعند ذكر الله عز وجل، كما في التشهد حين كان يحركها يدعو بها عند ذكر الله.

قال رحمه الله: (وذهب جماعة من العلماء إلى أن دعاء القنوت في الصلاة يشير فيه بإصبعه، منهم الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وإسحاق بن راهويه، وقال ابن عباس وغيره: هذا هو الإخلاص في الدعاء، وعن ابن سيرين: إذا أثنيت على الله فأشر بإصبع واحدة).

فيما يتعلق بقنوت النوازل: كان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء، وأما قنوت الوتر فقد ثبت عن عمر رضي الله عنه، وجاء عن أبي هريرة، ولا أعلم فيه حديثاً مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن -كما هو معلوم- إذا ثبت عن الصحابة فإنه يؤخذ بما جاء عن الصحابة، وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان يرفع يديه، وكذلك جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهذا في قنوت الوتر، وأما قنوت النوازل فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه.

قال: (ومنها أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه وجعل ظهورهما إلى جهة القبلة وهو مستقبلها، وجعل بطونهما مما يلي وجهه، وقد رويت هذه الصفة عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستسقاء، واستحب بعضهم الرفع في الاستسقاء على هذه الصفة منهم الجوزجاني.

ومنها عكس ذلك، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء أيضاً، وروي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يدعون كذلك، وقال بعضهم: الرفع على هذا.

ومنها عكس ذلك أي: كون ظهورهما إلى جهة وجهه وبطونهما إلى جهة القبلة على الهيئة التي تكون عند التكبير، فعندما يكبر يجعل بطونهما إلى جهة القبلة وظهورهما إلى جهة وجهه، هذا هو عكس الكلام الأول.

وقد جاء من حديث أنس رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي هكذا، ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه).

وهذه الصفة معناها: أنه جعل بطونهما إلى جهة الأرض، كأنه رفع يديه هكذا فصارت البطون إلى جهة الأرض.

قال: (ومنها: إذا رفع يديه جعل كفيه إلى السماء وظهورهما إلى الأرض، وقد ورد الأمر بذلك في سؤال الله عز وجل في غير حديث، وعن ابن عمر وأبي هريرة وابن سيرين أن هذا هو الدعاء والسؤال لله عز وجل.

ومنها عكس ذلك: وهو قلب كفيه وجعل ظهورهما إلى السماء، وبطونهما مما يلي الأرض.

وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء)، وخرجه الإمام أحمد رحمه الله ولفظه: (فبسط يديه وجعل ظاهرهما مما يلي السماء).

يمكن أنه بدل ما يثني يديه جعلهما مبسوطتين، ولكن بطونهما إلى الأرض وظهورهما إلى السماء.

قال: (وخرجه أبو داود ولفظه: (استسقى هكذا) يعني: مد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض).

وخرج الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً بعرفة يدعو هكذا، ورفع يديه حيال ثندوته، وجعل بطون كفيه مما يلي الأرض)، وهكذا وصف حماد بن سلمة رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه بعرفة.

وهذا خرجه الإمام أحمد في المسند، ورواه ابن أبي شيبة، وذكره الهيثمي في المجمع وقال: فيه بشر بن حرب وهو ضعيف.

قال: وروي عن ابن سيرين أن هذا في الاستخارة، وقال الحميدي: هذا هو الابتهال.