للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر بعض ما يستفاد من حديث جبريل]

وبعد أن ذكر ابن عمر رضي الله عنه الحكم بيّن الدليل على ذلك، وهو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سأل فيه جبريل الرسول عليه الصلاة والسلام فأجابه، ومن جملة ما أجابه عنه تفسير الإيمان وبيان المراد به، وأركانه الستة التي آخرها الإيمان بالقدر خيره وشره، وأن كل ذلك من الله سبحانه تعالى، ثم ساق الحديث عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم)، يعني أنهم كانوا جالسين يسألونه ويتعلمون منه، وينتظرون من يأتي ليسأله، وقد كانوا يحرصون على أن يأتي بعض الأعراب فيسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمور الدين، فيسمعون الجواب، وفي تلك المرة التي كانوا جالسين فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم رجل غريب، وتظهر غرابته من جهتين: من جهة أنه غير معروف، ومن جهة أن ثيابه حسنة، وشعره شديد السواد، وليس بأشعث ولا أغبر، ولا ثيابه بالمدنسة من الغبار بسبب السفر، فهذا شيء غريب عليهم، فالرجل غير معروف، والهيئة التي هو عليها ليست بهيئة المسافر ولا بهيئة الغريب الذي يأتي من مسافة بعيدة، فإن من كانت حاله كذلك يظهر على وجهه التعثر، ويصير أشعث أغبر بسبب سفره ومعاناته الطريق، فهذا الأمر يختلف عن الذي كانوا يعرفونه ويألفونه.

وقد جاء في بعض الروايات -كما في سنن أبي داود وغيره- أنه سلم من طرف البساط، ورواية مسلم ليس فيها ذكر السلام، ومن المعلوم أن الرواة كل منهم يروي ما بلغه وما سمعه، وقد يحفظ بعضهم ما لم يحفظه الآخر، وقد يحصل من بعض الرواة اختصار للحديث، فهناك أسباب لكون الحديث فيه زيادة عند بعض الرواة ونقص عند بعض الرواة، فقد يحفظ هذا ما لم يحفظه هذا، أو أن بعض الرواة حفظها ولكنه اختصر عند الرواية، والحاصل أن حديث عمر في صحيح مسلم ليس فيه ذكر السلام، ولكنه موجود في سنن أبي داود وغيره.

ثم إنه جاء وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، أي: قَرُب منه قرباً شديداً، ووضع يديه على فخذيه، وجاء في بعض الروايات أنها على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على شدة القرب والإصغاء إليه، واهتمامه بتلقي ما يسمعه.