للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى الإسلام والإيمان اتحاداً وافتراقاً

ثم قال: (فأخبرني عن الإيمان.

فقال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره)، وهذه هي أركان الإيمان، وقد سأل في السؤال الأول عن الإسلام فأجابه عن أمور ظاهرة، وسأله في الثاني عن الإيمان فأجابه عن أمور باطنة، وذلك لأن الإسلام أصله مأخوذ من الاستسلام، وهو الانقياد والإذعان بالطاعة، والاستسلام لله بالتوحيد، والخلوص من الشرك، فهذا هو الإسلام، فيكون فيه استسلام وإظهار للانقياد والسمع والطاعة، والامتثال للأوامر والاجتناب عن النواهي، فلما سئل عن الإسلام فيما يتعلق بأمور ظاهرة صار الجواب مماثلاً لمادة السؤال والمسئول عنه، وهو الإسلام؛ لأنه الاستسلام والانقياد، فصار الجواب عن الإسلام يتعلق بأمور ظاهرة؛ لأن الإسلام مأخوذ من الاستسلام، وهو يكون في الأمور الظاهرة.

ولما جاء السؤال عن الإيمان -وهو أمر باطني- جاء الجواب عن أمور باطنه، فصار الجواب عن الإسلام بما يناسب أصله ومادته، والجواب عن الإيمان بما يناسب أصله ومادته.

ثم إن الإسلام والإيمان من الألفاظ التي إذا جمع بينها في الذكر فرق بينها في المعنى، وإذا أفرز أحدهما عن الآخر شمل المعاني المفرقة عند الاجتماع، ولهذا عندما يأتي ذكر الإسلام وحده فإنه يشمل الأمور الظاهرة والباطنة، وإذا جاء الإيمان وحده يشمل الأمور الظاهرة والباطنة، لكن إذا جمع بينهما -كما في حديث جبريل هذا- فإن الإسلام يفسر بالأمور الظاهرة، والإيمان يفسر بالأمور الباطنة.

فهذه من الألفاظ التي إذا جمع بينها في الذكر وزع المعنى عليها، وإذا أفرز أحدهما عن الآخر واستقل عن صاحبه شمل المعاني كلها، ومثل ذلك لفظ الفقير والمسكين، والبر والتقوى، فإنها من هذا القبيل، فإن الفقير والمسكين إذا جمع بينهما في الذكر فرق بينهما في المعنى، وإذا انفرد أحدهما عن الآخر شمل معنى الجميع، ففي مثل قول الله عز وجل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:٦٠]، جمع بين الفقراء والمساكين، ففسّر الفقير بأنه من لا يجد شيئاً أصلاً، والمسكين من يجد شيئاً لكن لا يكفيه، فكل منهما محتاج، إلا أنهما متفاوتان في الحاجة، وجاء في حديث معاذ بن جبل، لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أنه قال له: (فإن هم أطعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) ولم يقل: ومساكينهم؛ وإنما قال: (على قرائهم)، فالفقير هنا يشمل من لا شيء عنده أصلاً، ومن عنده شيء لا يكفيه؛ لأنه جاء هنا مفرداً فشمل المعنيين، ولما جاء ذكر الفقير والمسكين في موضع واحد وفي آية واحدة قسم المعنى بينهما.

وكذلك ما في حديث جبريل، فإنه لما جاء الإسلام على حدة والإيمان على حدة جاء المعنى مقسماً بينهما، فأعطي الإسلام ما يناسبه وهو الأمور الظاهرة، وأعطي الإيمان ما يناسبه وهو الأمور الباطنة، ومثل ذلك البر والتقوى، فإذا جاء البر وحده شمل الأوامر والنواهي، وإذا جاءت التقوى وحدها شملت الأوامر والنواهي، وإذا جمع بينهما فسر البر بامتثال الأوامر وفسرت التقوى باجتناب النواهي، فالمراد أنه عندما يحصل الجمع بينهما يفرق المعنى، وعندما يستقل كل واحد منهما عن الآخر بالذكر فإنه يستوعب المعنيين المفرقين عند الاجتماع، وبهذا يتبين الفرق بين الإيمان والإسلام.