للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كلام ابن رجب رحمه الله في شرحه لهذا الحديث]

لـ ابن رجب رحمه الله كلام نفيس في شرحه لهذا الحديث، يقول رحمه الله: وهذا الحديث يدل على وجوب الإحسان في كل شيء من الأعمال، لكن إحسان كل شيء بحسبه، فالإحسان في الإتيان بالواجبات الظاهرة والباطنة الإتيان بها على وجه كمال واجباتها، فهذا القدر من الإحسان فيها واجب.

وأما الإحسان فيها باستكمال مستحباتها فليس بواجب، والإحسان في ترك المحرمات الانتهاء عنها، وترك ظاهرها وباطنها، كما قال تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام:١٢٠]، فهذا القدر من الإحسان فيها واجب، وأما الإحسان في الصبر على المقدورات فأن يأتي بالصبر عليها على وجه من غير تسخط ولا جزع، والإحسان الواجب في معاملة الخلق ومعاشرتهم: القيام بما أوجب الله من حقوق ذلك كله، والإحسان الواجب في ولاية الخلق وسياستهم القيام بواجبات الولاية كلها، والقدر الزائد على الواجب في ذلك كله إحسان ليس بواجب، والإحسان في قتل ما يجوز قتله من الناس والدواب إزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها وأرجاها من غير زيادة في التعذيب فإنه إيلام لا حاجة إليه، وهذا النوع هو الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ولعله ذكره على سبيل المثال، أو لحاجته إلى بيانه في تلك الحال فقال: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)، والقتلة والذبحة بالكسر أي: الهيئة، والمعنى: أحسنوا هيئة الذبح وهيئة القتل، وهذا يدل على وجوب الإسراع في إزهاق النفوس التي يباح إزهاقها على أسهل الوجوه.

وقد حكى ابن حزم الإجماع على وجوب الإحسان في الذبيحة، وأسهل وجوه قتل الآدمي ضربه بالسيف على العنق، قال الله تعالى في حق الكفار: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد:٤]، وقال تعالى: (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} [الأنفال:١٢]، وقد قيل: إنه عين الموضع الذي يكون الضرب فيه أسهل على المقتول وهو فوق العظام دون الدماغ، ووصى دريد بن الصمة قاتله أن يقتله كذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية تغزو في سبيل الله قال لهم: (لا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً)، وخرج أبو داود وابن ماجة من حديث ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أخف الناس قتلة أهل الإيمان).

قال المعلق: حديث حسن رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد من حديث ابن مسعود، وابن أبي شيبة وابن الجارود وابن أبي عاصم في السنة والبيهقي والطحاوي في شرح معاني الآثار وابن حبان، ثم شرح قوله: (أخف الناس قتلة أهل الإيمان)، قال المناوي: هم أرحم الناس بخلق الله، وأشدهم بعداً عن التمثيل والتشويه بالمقتول وإطالة تعذيبه، وهذا من إجلالهم لخالقهم، وامتثال لما صدر عن صدر النبوة من قوله: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) بخلاف أهل الكفر وبعض أهل الفسوق ممن لم تذق قلوبهم حلاوة الإيمان، واكتفوا بمسماه بلقلقة اللسان، وأشربوا القسوة حتى أبعدوا عن الرحمن، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي: (ومن لا يرحم لا يرحم).

وفي طبعة أخرى قال المعلق: أخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجة وهو حديث ضعيف، وفي إسناده اختلاف.

راجع العلل للدارقطني، والسلسلة الضعيفة (١٢٣٢) وسؤالات البردعي لـ أبي زرعة، وكتاب النافلة.

وعلى كل: المعنى صحيح، فأهل الإيمان هم أخف الناس قتلة؛ لأنهم متقيدون بأحكام الإسلام، لكن بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا يتوقف على صحته وثبوته، وأما من حيث المعنى فهو مستقيم.