للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين النبي والرسول]

وقد جاء في القرآن ذكر الرسل والأنبياء، فمن العلماء من قال: إنه لا فرق بين النبي والرسول.

ولكن الأدلة دلت على الفرق بين النبي والرسول، وأن الرسل هم الذين أنزل عليهم الكتب، وأرسلوا برسالة مستقلة ابتداء، كما حصل لموسى الذي أنزلت عليه التوراة، وإبراهيم الذي أنزلت عليه الصحف، وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن، ومنهم من أمر بأن يبلغ رسالة سابقة، ولم ينزل عليه كتاب، كأنبياء بني إسرائيل من بعد موسى الذين كانوا يحكمون بالتوراة، كما قال الله عز وجل: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة:٤٤]، فالأنبياء من بعد موسى كانوا يحكمون بالتوراة، ولم ينزل عليهم كتاب، وإنما أمروا بأن يبلغوا هذا الكتاب، وأن يحكموا به، وأن يدعوا إليه، وعلى هذا فالرسول هو الذي أوحي إليه بشرع ابتداء، وأنزل عليه الكتاب، كموسى الذي أنزلت عليه التوراة، والنبي هو الذي أمر بأن يبلغ رسالة سابقة ولم ينزل عليه كتاب، كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يحكمون بالتوراة من بعد موسى، كما جاء ذلك في سورة المائدة، لكن قد جاء وصف نبينا بأنه نبي وأنه رسول، وجاء وصف إسماعيل بأنه نبي ورسول، وجاء وصف موسى بأنه نبي ورسول.

أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد خوطب بـ (يا أيها الرسول) و (يا أيها النبي)، فهو -صلى الله عليه وسلم- نبي ورسول، وموسى قال الله عز وجل عنه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم:٥١]، وقال الله تعالى عن إسماعيل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم:٥٤]، فوصفهم جميعاً بالنبوة والرسالة.

فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أوحي إليه أولاً ولم يؤمر بالتبليغ، وذلك عندما أنزل عليه (اقرأ) قبل أن تنزل عليه سورة المدثر، فهو نبي وليس رسولاً في ذلك الوقت، وبعدما أنزلت عليه سورة المدثر صار نبياً رسولاً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولهذا يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب (الأصول الثلاثة): نبئ بـ (اقرأ) وأرسل بالمدثر يعني: صار نبياً بنزول (اقرأ) عليه، وصار رسولاً بنزول سورة المدثر عليه.

وعليه فيمكن أن يقال: إنّ النبي هو الذي أوحي إليه بشرع في وقت ما ولم يؤمر بتبليغه، وهذا مثل الحالة التي كانت قبل نزول المدثر في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أو هو الذي أمر بأن يبلغ رسالة سابقة، كما حصل في حق أنبياء بني إسرائيل من بعد موسى، فإنهم كانوا يحكمون بالتوراة، وأما التفريق المشهور الذي يقول: إنّ الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، والنبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه فإنه لا يستقيم فيما يتعلق بالنبي؛ لأنه جاء في القرآن أن النبي مرسل، كما قال الله عز وجل: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ} [الزخرف:٦]، فوصف النبي بأنه مرسل، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى} [الحج:٥٢] فعطف الرسول على النبي معناه أنهما شيئان وليسا شيئاً واحداً.

والله تعالى أعلم.