للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان رأس الأمر وعموده وذروة سنامه]

ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى.

قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد) وهذا مثل الذي قبله، فالاستفهام فيه تنبيه المخاطب إلى الاستعداد والتهيؤ لما سيلقى عليه.

وقوله: (رأس الأمر الإسلام) الأمر: هو الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الشأن، وهو أعظم الشئون.

وقوله: (وعموده الصلاة) يدلنا على عظم شأن الصلاة؛ لأنها عمود الإسلام، ومعلوم أن الأعمدة يقوم عليها البنيان، وتقوم عليها الخيام، وإذا نُزع عمود الخيمة سقطت على الأرض، وإذا كُسرت أعمدة البنيان هبطت العمارة المكونة من طوابق كثيرة بعضها على بعض حتى تكون أقل مما يساوي طابقاً واحداً لما اختلت الأعمدة، وهذا يبين لنا أن الصلاة شأنها عظيم؛ لأنها هي العمود الذي يقوم عليه الإسلام.

ثم قال: (وذروة سنامه الجهاد)، السَّنام: هو أعلى الشيء، وسنام البعير: أعلاه، والذروة: أعلى السنام؛ لأن السنام أعلى شيء، وأعلى شيء في السنام هو الذروة، وأطلق على الجهاد أنه ذروة سنام الإسلام؛ لأن فيه علو الإسلام وظهوره وقوة المسلمين وتفوقهم على الكفار وغلبتهم لهم، حيث يكونون غالبين للكفار، فيهابهم الكفار ويخشونهم، فإما أن يدخلوا في الدين وإما أن يدخلوا تحت حكم الإسلام ويدفعوا الجزية، ولكن يكونون تحت ولاية المسلمين، ويكون ذلك سبباً في هدايتهم؛ لأنهم يشاهدون أحكام الإسلام، ويشاهدون تطبيق الإسلام من المسلمين، فيكون في ذلك القدوة الحسنة والأسوة الطيبة لهم.

وإنما يكون ظهور الإسلام وقوته وتفوق المسلمين على أعدائهم الكافرين بقوة الإيمان وقوة اليقين الذي به يفتحون العباد والبلاد، كما كان شأن سلف هذه الأمة الذين كان عددهم قليلاً بالنسبة لأعداد أعدائهم، ومع ذلك فقد نصرهم الله عز وجل بقوة إيمانهم ويقينهم وثباتهم وإخلاصهم لله عز وجل.

ولا يحصل جهاد الأعداء إلا إذا حصلت مجاهدة النفس، فالمسلم إذا لم يجاهد نفسه فإنه لا يستطيع أن يجاهد غيره، وجهاد النفس هو أهم شيء؛ لأن الإنسان إذا لم يكن عنده قوة إيمان ومجاهدة للنفس لا يكون عنده صبر، ولا يكون عنده جَلَد، ولا تكون عنده رغبة، ولا يكون عنده حرص على مجاهدة الكفار، فمجاهدة النفس هي الأساس الذي تقوم عليه قوة المجاهدين والمقاتلين للكفار، ولهذا تفوق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة على أعدائهم مع قلة عدد المسلمين وقلة عتادهم وكثرة أعداد الكفار وكثرة عتادهم بقوة الإيمان وقوة البصيرة وقوة الدين، هذا هو الذي مكنهم من التغلب على أعدائهم، فإن الفئة القليلة تغلب الفئة الكثيرة بإذن الله، وذلك بقوة الإيمان وقوة اليقين، فالجهاد أولاً جهاد النفس، ثم جهاد المنافقين وجهاد الكفار، كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:٧٣].