للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر غنى القلب والنفس في المواقف]

من المعلوم أن الإنسان إذا كان غني القلب والنفس فإن دنياه بيده لا في قلبه، سواء أكانت قليلةً أم كثيرة.

أما إذا كانت نفسه ليست غنية فإن المال الكثير بيده لا يقنعه ولا يرضى به، ويسعى للمزيد منه، ويكون مشغولاً ومهموماً ومنشغلاً بالدنيا عن الآخرة.

وأما إذا لم تشغله الدنيا عن الآخرة، وكانت الدنيا وتحصيلها من أسباب سعادته نفعه؛ فإن ذلك يكون محموداً، فقد جاء في الحديث أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم).

فالأموال إذا حصلت لهم دون أن ينشغلوا بها عن الله عز وجل بل كانت تحصل وتصرف بطرق مشروعة فإن ذلك يكون محموداً مفيداً، المهم أن لا يشغله ذلك عن الله سبحانه وتعالى.

فإذا كانت الأموال تصرف في طاعة الله وفيما يعود على صاحبها وعلى المسلمين بالخير فهذا أمر محمود، ولهذا كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم المال والدنيا ولكنها ما شغلتهم عن الآخرة، بل كانوا منشغلين بالآخرة ويصرفون دنياهم وما أعطاهم الله من الدنيا فيما يعود عليهم بالخير.

ويدل على ذلك قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه وبذله في سبيل الله، وإنفاقه للأموال في سبيل الله، ففي غزوة تبوك -وسميت العسرة- كان الناس في شدة ومشقة، وكان الفقراء يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلبون منه أن يحملهم فيقول: (لا أجد ما أحملكم عليه) فيرجعون وهم يبكون حزناً على ما فاتهم من الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنهم معذورون، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في طريق تبوك قال: (إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر) فهم مع المجاهدين بقلوبهم وإن كانت أجسادهم باقية في المدينة، فلقد تعلقوا بالجهاد وليس عندهم القدرة التي تمكنهم من ذلك.

فـ عثمان رضي الله عنه قدم يومها ثلاثمائة بعير عليها أحلاسها وأقتابها ومتاعها في سبيل الله عز وجل، فهذا المال الكثير ما شغله عن الآخرة، بل صرفه فيما يتعلق بأمور الآخرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

فالغنى هو غنى النفس، فإذا كانت النفس غنية فأي شيء يكون في اليد فهو كثير، وإذا كانت النفس فقيرة فالكثير في اليد لا يعتبر شيئاً ولا يقنع به صاحبه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو كان لابن آدم واد من ذهب لتمنى ثانياً، ولو كان له واديان لتمنى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)