للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله: (إنما الأعمال بالنيات)]

قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) قصر وحصر، و (إنما) تأتي لهذا الغرض، وكذلك كون المبتدأ والخبر يأتيان محليان بالألف واللام، فذلك من هذا القبيل، مثل (الدين النصيحة)، ومثل: (الحج عرفة)، ومثل (الأعمال بالنيات)، وقد جاء في بعض الراويات بدون (إنما)، وذلك بلفظ (الأعمال بالنيات)، وكل منهما يفيد الحصر والقصر.

والأعمال هنا مطلقة، فقد حليت بالألف واللام للاستغراق، وقيل: إن المقصود من ذلك الأعمال التي هي قربة؛ فإنها لا تعتبر إلا بنياتها، ولا يعول عليها إلا بنياتها، وكل عمل فيها لا بد فيه من نية، وإذا خلا من النية فإنه لا عبرة به، والنية تأتي لتمييز العبادات بعضها عن بعض، ولتميز العبادات عن العادات، ولتمييز العبادات عن العادات.

فمنهم من قال: إن المقصود به العموم، ويدخل في ذلك القُرَب وغير القُرَب، فأما القرب فأمرها معلوم، وأما غير القرب من الأمور التي يفعلها الناس -كالأكل والشرب والنوم والجماع وما إلى ذلك- إذا حسن المرء قصده فيها، ونوى بذلك التقوي على طاعة الله عز وجل فإن الله تعالى يأجره، كما جاء في الحديث: (وفي بضع أحدكم صدقة.

قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم إذا لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟! قالوا: نعم.

قال: فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر)، وقد جاء في ذلك حديث [نية المؤمن خير من عمله] ولكنه لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

و (النيات) جمع نية، والمراد بها القصد، والألف واللام في (النيات) بدل من الضمير (الهاء)، ومعنى ذلك أن أصل العبارة هكذا (الأعمال بنياتها)، أي: الأعمال معتبرة بنياتها.

فحذف المضاف إليه -وهو الهاء- وأتي بـ (أل) مكانه، فصارت العبارة (الأعمال بالنيات).

وهذا الاختصار يأتي كثيراً في الاستعمال، ولا سيما في أسماء الكتب، فيقولون -مثلاً-: البلوغ.

ويعنون (بلوغ المرام)، ويقولون: النيل.

ويعنون (نيل الأوطار)، وهكذا، فيأتون بالمضاف ويحذفون المضاف إليه، ويجعلون (أل) قائمة مقامه، فالألف واللام هنا عوض عن المضاف إليه، فالمراد: الأعمال بنياتها.

فالمقدر الذي يتعلق به الجار والمجرور هو (معتبرة)، أي: الأعمال معتبرة بالنيات.

فهي بدون نية غير معتبرة، فالإنسان إذا كان عليه غسل جنابة فاغتسل للتبرد أو للجمعة ولم ينو رفع الحدث فإنه باقٍ على حدثه، ولو صلى لم تصح صلاته، وعليه الغسل للجنابة وإعادة الصلاة ولو كان قد تنظف؛ لأن هذه عبادة، ولا بد في العبادة من نية، وليس المقصود مجرد النظافة فقط، بل هي عبادة تفتقر إلى نية.

إذاً: فالجار والمجرور متعلق بمحذوف، والتقدير: (معتبرة)، أو (نافعة)، أو (مقبولة) أو ما إلى ذلك من العبارات المناسبة.