للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل الاجتماع على القرآن والعلم في المساجد]

ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).

بيوت الله عز وجل هي المساجد، وإضافتها إلى الله للتشريف؛ لأن المضاف إلى الله عز وجل ينقسم إلى قسمين: إضافة أعيان وإضافة معان, فإضافة الأعيان للتشريف، وهي من إضافة المخلوق إلى الخالق, كبيت الله وناقة الله وعبد الله، وإضافة المعاني هي إضافة الصفات كحياة الله وعلم الله وسمع الله وبصر الله وغير ذلك، وهي إضافة صفات، أعني من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف بها.

والمساجد هي خير البلاد وأفضل البقاع كما ثبت في صحيح مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)، فالمساجد هي خير البلاد؛ وذلك لما يكون فيها من العمارة بذكر الله عز وجل، فالمساجد هي محل الطمأنينة، ومحل الذكر، ومحل الصلاة، ومحل العبادة لله عز وجل، ومحل تلاوة القرآن، كل هذه من صفات المساجد، وأما الأسواق ففيها الصخب واللغط، وفيها الخصومات، وفيها السباب والشتائم، وغير ذلك من الأمور التي تحصل في الأسواق.

تلاوة القرآن معروفة، ومدارسته تعني معرفة معانيه، وهذا إنما يكون لمن عنده علم بتفسير القرآن بالقرآن وتفسيره بالحديث، وبالآثار عن سلف هذه الأمة.

فتلاوته تكون بأن يقرأ واحد والباقون يسمعون، أو يقرءون بالتناوب بحيث يقرأ واحد مقداراً من الآيات والباقون يسمعون ويصححون له، ويقومون نطقه، ويقومون قراءته، ثم ينتقل إلى من بعده، ويكون كل واحد منهم يستفيد من غيره؛ لأنه يتعود كيف يقرأ، ويصحح له خطؤه ولحنه إذا كان يخطئ أو يلحن، وهذه الفوائد تحصل بهذا العمل الذي هو تلاوة القرآن في المساجد وتدارسه.

والتدارس يكون بوجود عالم بينهم يبين لهم معاني الآيات التي قرءوها أو التي يمرون بها وهم بحاجة إلى معرفتها أو يشكل عليهم شيء من معانيها، وإذا كانوا من أهل العلم فإنهم يتداركون ذلك ويرجعون إلى كتب أهل العلم المتعلقة بالرواية والدراية في تفسير كلام الله عز وجل.

قوله: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة) يعني: تحصل لهم أمور أربعة بهذا العمل الذي هو قراءة القرآن وتدارسه في المساجد: الأمر الأول: أنها تنزل عليهم السكينة، والسكينة: الطمأنينة والوقار، ففي تلك المجالس الوقار، والطمأنينة، والسكون، وانشراح الصدور، كل ذلك يكون موجوداً لمن يحصل منهم تلاوة القرآن في بيت من بيوت الله.

الأمر الثاني: أن تغشاهم الرحمة, أي تشملهم الرحمة وتغطيهم.

الأمر الثالث: أن الملائكة تحفهم, أي: تحيط بهم وتحدق بهم؛ وذلك أنهم يبحثون عن مجالس الذكر، وخير الذكر هو قراءة كلام الله سبحانه وتعالى, فيحصل لهؤلاء المجتمعين أن تنزل عليهم السكينة، وكون الرحمة تغشاهم.

الأمر الرابع: أن يذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة، أي يذكر الله عباده في الأرض عند عباده في السماء الذين هم الملائكة، كما جاء في الحديث: (ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه).

فمن حصل منهم الاجتماع لقراءة القرآن في المساجد وتدارسه يحصل لهم الثواب والجزاء بهذه الأعمال الأربعة.