للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الطريق الموصلة إلى الولاية]

قال: (وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه).

بعد أن قال: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) بين بأي شيء تكون الولاية، والطرق التي توصل إلى الولاية، وأنها التقرب إلى الله عز وجل بفعل الأوامر، وكذلك الإتيان بالنوافل مع الفرائض؛ لأن ولاية الله عز وجل إنما هي بالإيمان والتقوى كما عرفنا، فلما قال: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) بين بعد ذلك من هم أولياء الله، أو الطريقة التي يتم بها الوصول إلى الله عز وجل، وهي فعل الفرائض، أي: أداء الواجبات وترك المحرمات، ثم بعد ذلك الإتيان بالنوافل مع الفرائض.

فالإتيان بالفرائض دون النوافل هو الاقتصاد، وأصحابه هم المقتصدون الذين ذكرهم الله عز وجل في قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:٣٢] والمقتصد هو الذي يأتي بالفرائض، يأتي بما أوجب الله عز وجل عليه ويترك ما حرم الله عليه.

والسابق بالخيرات هو الذي يأتي بالفرائض ويأتي معها بالنوافل التي تقربه إلى الله عز وجل، والتي تزيد في إيمانه وفي درجته ورفعته عند الله سبحانه وتعالى.

فقوله: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) يدل على أن فعل الفرائض هو الأحب إلى الله عز وجل، وأن العبد ما تقرب إلى الله عز وجل بشيء أحب إليه تعالى مما افترض عليه، وذلك لأنه يكون أدى واجباً وترك أمراً محرماً، فلو فعل فإنه يؤجر، وإذا ترك الأوامر فإنه يأثم، وكذلك إذا فعل النواهي فإنه يأثم، وإذا تركها من أجل الله عز وجل فإنه يؤجر.

والحاصل أن الفرائض تؤدى بأداء ما فرض الله وترك ما حرم الله، وهذا هو أحب شيء إلى الله عز وجل فيما يتقرب به العبد إليه سبحانه وتعالى.

وفيه دليل على إثبات المحبة لله عز وجل، وعلى تفاوت الناس في محبة الله سبحانه وتعالى، وكذلك الأعمال متفاوتة في المحبة، فمنها ما هو أحب إلى الله، ومنها ما هو دونه، فإن الإتيان بالفرائض هو الأحب إلى الله، ومعنى ذلك أن الإتيان بالنوافل دون ذلك؛ لأنه قال: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) وذلك لأنه فعل أمراً واجباً وترك أمراً محرماً، وأما بالنسبة للنوافل فالإنسان إذا أتى بها أتى بالكمال، وإذا لم يأت بها فاته ذلك الكمال وفاته أجرها، لكن الأوامر والنواهي والتكاليف والفرائض هي التي يثاب على أمتثالها ويعاقب على مخالفتها.