للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكلام على من وما الموصولتين]

ثم قال: [ومن وما وأل تساوي ما ذكر وهكذا ذو عند طيئ شهر] ما سبق من الموصول يسمى الموصول الخاص؛ لأنه خصص لكل شيء صيغة: المفرد المذكر، المفردة المؤنثة، المثنى المذكر، المثنى المؤنث، جماعة الذكور، جماعة الإناث.

وهناك موصولات عامة تصلح لكل نوع من هذه الأنواع، وهي التي ذكرها في قوله: (ومن وما وأل تساوي ما ذكر) إلخ.

تساوي ما ذكر، أي: من الصيغ السابقة، وهي الذي والتي، واللذان واللتان، والذين واللاء، فتأتي للمفرد المذكر، وللمفردة المؤنثة، وللمثنى المذكر، وللمثنى المؤنث، ولجماعة الذكور، ولجماعة الإناث.

فإن قال قائل: ما الذي يعلمنا أنها للمفرد المذكر دون المفردة المؤنثة ولفظها واحد؟ قلنا: الصلة هي التي تعين ذلك.

فإذا قلت: يعجبني من قام، فهي للمفرد المذكر.

وإذا قلت: تعجبني من قامت، فهي للمفردة المؤنثة.

وإذا قلت: يعجبني من قاما، فهي للمثنى المذكر.

وإذا قلت: تعجبني من قامتا، فهي للمثنى المؤنث.

وإذا قلت: يعجبني من قاموا، فهي لجماعة الذكور.

وإذا قلت: تعجبني من قمن، فهي لجماعة الإناث.

إذاً (من) صورتها وصيغتها واحدة مهما كان المراد بها، والذي يعين المراد بها هو الصلة.

وقوله: (وما) نقول فيها مثل ما قلنا في (مَنْ): تصلح للمفرد المذكر، والمفرد المؤنث، والمثنى المذكر، والمثنى المؤنث، وجماعة الذكور، وجماعة الإناث، والذين يعين واحداً منها هو الصلة.

فإذا قيل: هل تأتي (مَنْ) في محل (ما) و (ما) في محل (مَنْ) أو لكل واحدة منهما محل لا تأتيه الأخرى؟ ف

الجواب

أن الأصل لكل واحدة منهما محل لا تأتي فيه الأخرى، لكن قد يخرج عن هذا الأصل لسبب، فالأصل في (من) أن تكون للعاقل.

هكذا عبر أكثر النحويين، ولكن ابن هشام قال: ينبغي أن نقول: إنها للعالم؛ لأنها تأتي ويراد بها الرب عز وجل، والرب لا يقال عنه: عاقل، كما في قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦] أي: الله.

فلا تقول: مَنْ للعاقل في هذا المحل؛ لأن الله عز وجل لا يوصف بالعقل، فلهذا اختار ابن هشام رحمه الله أن يعبر بالعالم بدلاً عن العاقل، والله يوصف بالعلم.

على كل حال هي لا تكون إلا للعالم الذي يعلم ويتصرف باختياره، هذا الأصل.

و (ما) الأصل أن تكون لغير العالم على تعبير ابن هشام، أو لغير العاقل على تعبير أكثر النحويين، فتكون في الجمادات، وفي المعاني، لأن المعاني أوصاف، لكن قد تأتي (من) محل (ما)، كما في قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} [النور:٤٥] فمن هنا لغير العالم؛ لأن بني آدم لا يمشون على بطونهم، إنما يمشون على أرجلهم.

فجاءت (من) هنا في محل (ما)، لكن لماذا جاءت؟ يقول بعضهم: إنها جاءت من أجل المشاكلة، وتغليباً للعالم على غيره، {مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} [النور:٤٥] وفي قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [آل عمران:١٠٩]، وفي آية أخرى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الرعد:١٥] فجاءت (من) وجاءت (ما) وكلها في السموات والأرض، لكن انظر: ((يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ)) [الرعد:١٥] جاءت من، وفي آية أخرى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [النحل:٤٩].

إذاً: فهمنا من هذا أن كل واحدة منهما تأتي في مكان الأخرى، لماذا؟ قالوا: للتغليب، أي تغليب العالم على غيره، وتغليب الأكثر على غيره، فإذا عبر بـ (ما) وأريد بها الجميع فهو تغليب لغير العالم على العالم لأنه أكثر، هذا فيما نرى والعلم عند الله، وقد يكون هناك مخلوقات أخرى ذات علم أكثر من هذا.

وإذا عبر بمَنْ للعموم فهو من باب تغليب العالم على غيره لشرفه.

{فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:٣] فنحن ننكح العالمات، وما طاب وصف فنقول: جاءت (ما) في محل (من)؛ لأن المرأة إنما تنكح لأوصافها، والأوصاف معان غير عاقلة، فالإنسان لا ينكح المرأة لذات المرأة فقط، إنما تنكح المرأة لأربع.

إذاً جاءت (ما) في محل (من) من أجل هذه النكتة البلاغية، وهي أن المرأة إنما تنكح لأوصافها لا لأنها بشر مخلوق من لحم وعظم وعصب وما أشبه ذلك.