للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم ربط الخبر المفرد بالمبتدأ]

قال المؤلف: (والمفرد الجامد فارغ) الجامد هو ما ليس بمشتق؛ لأنه قال: (وإن يشتق) والمعنى: إذا كان الخبر مفرداً جامداً فهو فارغ من الضمير بدليل قوله: وإن يشتق فهو ذو ضمير مستكن.

وقد أورد بعض الناس إشكالاً على كلام ابن مالك في قوله: (فارغ) أنه ليس فيه بيان.

فنقول: فيه بيان؛ لأنه لما جاء بقسيمه (وإن يشتق فهو ذو ضمير) عرفنا أن المراد أنه فارغ من الضمير.

قوله: (وإن يشتق فهو ذو ضمير مستكن) وهذا الضمير لابد أن يكون مستكناً، أي: مستتراً وجوباً.

ومثال ذلك: زيد رجل، فرجل ليس فيه ضمير؛ لأنه غير مشتق.

وزيد أخوك، كذلك جامد وليس فيه ضمير.

ومثله: زيد أسد، وقولنا: زيد مفتاح كل خير، هذا مشتق من الفتح لكن لا يتحمل الضمير؛ والمقصود بالمشتق هو اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، وليس معنى المشتق ما اشتق من مصدر، وذلك لأن المفتاح لا يتحمل ضميراً.

فإذا كان الخبر مشتقاً فلابد أن يتحمل الضمير، ويكون الضمير مستتراً وجوباً.

وإذا كان الخبر غير مشتق؛ فإنه فارغ لا يتحمل الضمير.

وقال بعضهم: إنه يتحمل الضمير مطلقاً، وإن قولك: زيد أخوك، أي: زيد منسوب إليك، فيؤلون الأخوة إلى مشتق.

وزيد أسد، يقولون: التقدير: زيد شجاع، والشجاع مشتق من الشجاعة، لكن الذي ذكره المؤلف أقرب إلى الصواب؛ لأن ذاك فيه شيء من التكلف.

وإذا قيل: فلان قرطاس، فقرطاس جامد، لكن على رأي من يرى أن المؤول يمكن أن يكون بمعنى المشتق، والقرطاس هو الريشة التي في الجدار.

يقول المؤلف: (وأبرزنه مطلقاً) أي: أبرزن الضمير المستتر.

مطلقاً، والإطلاق، يقول العلماء: يفهم معناه من قيد سابق أو قيد لاحق، فإذا قلت: أكرم زيداً إن اجتهد، وعمراً مطلقاً؛ يعني: إن اجتهد أو لم يجتهد.

وإذا قلت: أكرم عمراً مطلقاً، وأكرم زيداً إن اجتهد، فمطلقاً يعني: اجتهد أو لا، لكن الإطلاق فهمناه في المثال الثاني من قيد لاحق.

وفي المثال الأول من قيد سابق.

هنا يقول: [وأبرزنه مطلقاً حيث تلا ما ليس معناه له محصلاً] فالواقع أنه ليس هناك قيد سابق ولا لاحق، لكن المراد هنا بالإطلاق: أبرزنه على كل حال، سواء اتضح المعنى أو لم يتضح.

(حيث تلا) الضمير يعود على المشتق.

ومعنى (تلا) أي: تبع.

(ما ليس معناه) أي: معنى الخبر، (له) أي للمبتدأ (محصلاً).

وقوله: (ما) تعود على المبتدأ؛ ولهذا يمكن ألا نعربها موصولاً، بل نعربها على أنها نكرة موصوفة.

فيكون معنى البيت: أبرز الضمير المستتر في الخبر مطلقاً حيث تلا الخبر مبتدأ ليس معنى الخبر للمبتدأ محصلاً.

وهذا البيت فيه تشتيت للضمائر؛ ولهذا يعتبر بعيداً عن البلاغة.

يعني: أن الوصف إذا تلا المبتدأ وهو لا يعود معناه عليه؛ فإنه يجب أن يبرز الضمير.

مثاله: زيد عمرو ضاربه، فضاربه خبر عن عمرو، إذا اقتصرنا على هذا، فليس فيه إشكال فقد تمت الجملة، فالمتصف بالضرب هو عمرو؛ لكن إذا أردت أن تخبر أن الضارب زيد، فقلت: زيد عمرو ضاربه، إذا قلت: الضارب هو زيد، فيجب أن تقول: ضاربه هو؛ لأن الوصف الآن تلا ما ليس معناه له، فلما تلا ما ليس معناه له، وجب أن يبرز الضمير.

فالقاعدة: أنه إذا كان الوصف خبراً لما لا يعود معناه إليه وجب إبراز الضمير مطلقاً.

وفي قولنا: زيد هند ضاربها يجب إبراز الضمير إذا كنت أريد أن زيداً هو الضارب.

وابن مالك يقول: مطلقاً، ونحن الآن نقرر ما قال ابن مالك.

وذهب بعض النحويين إلى أنه لا يجب إبرازه إلا إذا خيف اللبس، بحيث لا ندري من الضارب، أو إذا كان يوهم خلاف المقصود، وعلى هذا فإذا قلت: زيد عمرو ضاربها، فلا يجب إبراز الضمير؛ لأن الضارب معلوم وهو زيد، فاللبس هنا مأمون.

وهذا هو القول الراجح؛ بناء على القاعدة النحوية القوية وهي: أنه متى دار الأمر بين التسهيل والتعسير فعليك بالتيسير.

ولو قلت: زيد هند ضاربته؛ فلا يحتاج إلى أن أقول: هي؛ لأن الخبر وقع وصفاً لمن هو له، فضاربته خبر هند، فلا يحتاج إلى إبراز الضمير حتى على رأي ابن مالك.